نتحدث في هذا المقال, حول بعض آليات الرد على طروحات مؤتمر الخيار الأردني, الذي تبناه اليمين الإسرائيلي حيث قلت في مقال سابق أن بناء جبهتنا الداخلية القوية, والمتماسكة هو ضمانتنا الرئيسية لمواجهة كل الأخطار, وأول بناء خطوات بناء جبهتنا الداخلية تتمثل في أن يأخذ الأردنيون الأمر بيدهم, إداءً للواجب, وأخذا للحق, وتصويباً للمعوج من الأمر.
أول ما يحتاج إلى تصويب,في طريقنا إلى بناء جبهتنا الداخلية, هو علاقتنا ببعضنا, ومن ثم سلوكنا نحو بعضنا, بما في ذلك الأطر الناظمة لهذه العلاقات والسلوكيات, بعد أن بدأنا نعاني من الاضطربات التي أصابتها, وأولها اهتزاز قيم الاحترام التي كانت سائدة بيننا عندما كان مجتمعنا مجتمع بساطة ومحبة, قبل أن يصبح مجتمع كراهية تعبر عنها مواقع التواصل الاجتماعي, التي تقتحم خصوصية الأفراد والمؤسسات بخطاب البغضاء والتحاسد والتحريض, مستخدمة أسلوب التحريف والتزوير في معظم الأحيان، لتشويه صورة الوطن من خلال تشويه صورة مؤسساته ورموزه ورجاله.
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام خطاب الكراهية الذي تعج به مواقع التواصل هو: ما سر هذه الحملات المسعورة, التي تنطلق كلما ظهرت في حياتنا شخصية عامة بهدف تشويهها وهز الثقة بها, وكأن أصلاب الأردنيين لا ينحدر منها إلا لص وفاسد؟ ولماذا ننقاد نحن إلى لعبة تشويه رجالاتنا ورموزنا ومؤسساتنا, دون أن نتوقف لنسأل. لحساب من يتم تشويه صورة الأردنيين, ورموزهم ومؤسساتهم, ومن ثم هز ثقتهم بأنفسهم ووطنهم وبمؤسساتهم الرسمية والاجتماعية, وفي مقدمتها مؤسسة العشيرة التي تتعرض إلى حملة تشويه وإضعاف من خلال افتعال الإنقسامات بين أبنائها, ومن خلال صناعة شيوخ مزيفين لبعضها. ومن خلال تشويه صورتها بإلصاق كل الأوضار والانحرافات بها.
إن مما يُؤسف أن يشارك في الحملة الجائرة على عشائرنا بعض أبنائنا, دون أن يعوا خطورة تدمير مؤسسة العشيرة, باعتبارها المؤسسة الاجتماعية الأقوى, والأكثر فاعلية في الحفاظ على هويتنا وشخصيتنا الوطنية الأردنية, فعشائرنا الأردنية هي محاضن الوطنية الأردنية ببُعدها القومي وانتمائها الإسلامي, وبهذا البُعد وهذا الانتماء تصدّت عشائرنا, لكل الغزاة, فقاتلت اليهود في فلسطين مبكراً, ويكفيها فخراً أن أول شهيد في مواجهة الهجمة الصهيونية على فلسطين كان من أبنائها, هو الشهيد كايد مفلح العبيدات, الذي روى بدمه الطهور أرض فلسطين, مثلما روى ابن عشيرة أردنية أخرى, هو نجيب البطاينه, تراب ليبيا في مواجهتها مع المستعمر الإيطالي, وما بين فلسطين التي روتها دماء أبناء كل العشائر الأردنية, وليبيا التي احتضنت رفات نجيب البطاينه, كانت عشائر الأردن عصب ثورة العرب الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي, فلولا انحياز الأردنيين وعشائرهم للثورة, لظلت مجرد تمرد محصور في الحجاز, ولسهل على العثمانيين القضاء عليها, وكيف لا ينحاز الأردنيون إلى ثورة العرب وقد مهدوا لها بهية الكرك, وثورة الطفيلة, رفضاً للظلم التركي.
حتى بعد أن انكشف خداع الحلفاء فطعنوا ثورة العرب في ظهرها, لم تستسلم العشائر الأردنية فهب رجالها للدفاع عن المملكة الفيصلية في ميسلون, ثم انحازوا إلى وطنهم الأردني فحصنوه ضد المحتل, وراسلوا قائد ثورة العرب الكبرى لكي يرسل أحد أبنائه ليواصلوا معه جهادهم في سبيل حرية الأمة واستقلالها, وصارت دواوين عشائرهم ومضاربها محاضن للحركة الوطنية ولمؤتمراتها.
هذا هو الدور الذي علينا إحياءه لعشائرنا الأردنية لتظل مؤسسات اجتماعية عريقة، قائمة على منظومة قيم نبيلة، تنمي في أبنائها احترام الناس لبعضهم وتكافلهم وتضامنهم. قيم ترفض الفساد، وقبل ذلك ترفض الاستقواء بالعشيرة والعائلة على المجتمع وعلى القانون، مما صرنا نعيشه هذه الأيام كجزء من الاختلالات التي أصابت قيمنا الأصيلة، التي آن اوان استعادتها، من خلال استعادة الأسس التي بُنيت عليها هذه القيم.
إننا باستعادتنا لدور العشائر كمحاضن للشخصية الوطنية الأردنية, نجدد أهم الأسس المتينة التي قامت عليها الدولة الأردنية الحديثة, ونظامها السياسي,مستذكرين أن هذه العشائر هي التي أمدت أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية, بالكوادر والقيادات التي بنت الدولة الأردنية الحديثة, وحافظت عليها, ومن ثم فإن إحياء كل هذه الأدوار للعشائر الأردنية,هو جزء مهم وأساسي من الرد العملي على مخططات ومؤامرات اليمين الإسرائيلي, بل وعلى كل المتآمرين على الأردن.
الرأي