منذ التوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة، لم يتوقف سيل التصريحات الصادرة عن رموز في السلطة الفلسطينية حول السلاح وما يسمى “المليشيات” في قطاع غزة، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول جدية هذا الفريق في استكمال مسار المصالحة.
من الواضح أن هذا الفريق قد ذهب مضطرا نحو مسار المصالحة بضغط مصري عنوانه استعادة القاهرة للملف الفلسطيني، وهو يخشى تبعا لذلك من ضغوط أخرى تالية تتعلق بالمصالحة مع محمد دحلان الذي يتصدر في وعيه مربع العداء، قبل حماس أو بعدها، لا يهم.
أيا يكن الأمر، فحين يصرّ هؤلاء على اعتبار السلاح الفلسطيني في قطاع غزة متمردا على “الشرعية”، ولا مكان له بعد المصالحة، فهم إنما يهيلون التراب على فكرة المصالحة برمتها، ذلك أنه؛ لا حماس ولا الجهاد ولا الفصائل الأخرى ستقبل بهذا الشرط، وهي تعلم أن فلسطين كل فلسطين ما تزال تحت الاحتلال، وهنا المشكلة الكبرى.
فالفريق الذي يمسك بالسلطة في رام الله يتعامل مع فكرة المقاومة المسلحة بوصفها خارج التداول نهائيا، لكأن المعركة مع العدو قد وضعت أوزارها، ولم يبق سوى بعض التفاصيل التي يمكن التعامل معها بالسياسة، والسياسة فقط.
إنه بكل بساطة، يريد نقل معادلة الضفة بحذافيرها إلى قطاع غزة، وحيث سلطة ترفض المقاومة رفضا كاملا، وتعوّل على التفاوض وحده كمسار سياسي.
المصيبة أن هذا الفريق يجرّب المجرّب، وهو بعد سنوات من تطبيق نظريته السياسية في الضفة الغربية، لم يحصد سوى المزيد من التهويد والاستيطان. ورغم العروض المغرية التي قدمها للعدو، كما في مفاوضاته مع أولمرت وليفني لم يحصد سوى الخيبة، فيما ينهض في مواجهته ما هو أسوأ راهنا.
إنه مسار يعني تصفية القضية برمتها، ممثلا في “صفقة القرن” التي أصبح واضحا أنها لا تعني غير ما يسمى “الحل الإقليمي” الذي يفتح عملية سياسية يعلم الجميع أنها بلا أفق، ومع تطبيع عربي واسع النطاق، ما يحوّل المؤقت الراهن إلى دائم مع بعض التحسينات التي تمنح القوم هياكل دولة دون قدس ولا سيادة على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة.
مصالحة من هذا النوع في حال تم الإصرار عليها لن يكون مصيرها غير الفشل، والمقاومة في قطاع غزة لن تتنازل عن سلاحها وبنيتها التحتية بحال من الأحوال، حتى لو خاضت حروبا أخرى جديدة، وهي تعلن الجاهزية لذلك في حال الاضطرار. أما المسار الأفضل للقضية برمتها، فيتمثل في جعل السلطة برمتها كيانا إداريا يُدار بالتوافق، وترك الاستراتيجية السياسية لمنظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها على نحو ديمقراطي من فلسطيني الداخل والخارج، لأن اعتبار الشتات خارج القضية يمثل كارثة أخرى على الشعب الفلسطيني والقضية.