تلقيت عشرات التعقيبات، التي تراوحت بين اتصالات هاتفية، ورسائل نصية هاتفية، بأنواعها المختلفة بالإضافة إلى الفيسبوك، على مقالي الذي نشرته الرأي بعنوان «قراءة في يوميات سياسي أردني». وكانت التعقيبات شبه مجمعة، على التبرم من ما صارت تشكله بعض العادات الاجتماعية الدخيلة من عبء على الأردنيين، سواء على ميزانياتهم المرهقة أصلاً، أو على أوقاتهم المزدحمة والضيقة، وهو الزحام الذي يشتد خناقه يوماً بعد يوم في ظل أزمة السير، التي يعيشونها إناء الليل وأطراف النهار، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، لتزيد من الضغط على أعصاب الأردنيين المتوترة بسبب تراكم أزماتهم. والتي صارت بسببها في حالة توتر وقلق دائمين، ترفع من منسوبها أزمة السير التي صات تفرض على الأردني أن يمضي ساعات طويلة من يومه في الشوارع في طريقه للوصول إلى هدفه بيتاً أو مكان عمل، بعد أن صار يحتاج إلى خمسة أضعاف الوقت الذي كان يحتاجه للوصول إلى هدفه، لتأتي العادات الاجتماعية الدخيلة فتزيد على الأردنيين ضغوط الوقت والأعصاب والمال كل ذلك دون طائل.
اللافت أن التعقبات أجمعت على تحميل كبار المسؤولين، مسؤولية ترسيخ هذه العادات السلبية الدخيلة، وأولها «جاهات الأعراس» التي صارت مهمة رئيسية لبعض رؤساء الوزارات السابقين، ومثلهم رؤساء مجلس الأعيان والنواب، الذين صاروا محل انتقاد في أوساط الناس الذين ينظرون إلى بعضهم على أنهم تحولوا إلى مجرد نجوم جاهات لا تقدم ولا تأخر شيئاً، فالجاهة صارت مجرد ديكور بشع، يخفي بشاعة أكبر، فمعظم جاهات الخطوبة تتم بعد أن يكون القران قد عقد وانتهى كل شيء، ماعدا ممارسة الرياء الاجتماعي، الذي صارت جاهات الأعراس عنواناً له، يدلل على مدى السفه الذي وصل إليه بعضنا، وصار علينا أن نتصدى له، لأنه صار يفتك بعاداتنا الأصيلة، ولأنه صار يغذي عددا من أزماتنا المستفحلة.
في إطار ضرورة التصدي للممارسات الاجتماعية السلبية، أطلقت جماعة عمان لحوارت المستقبل، جهداً وطنياً متعدد الأشكال، في إطار برنامجها التنفيذي لوثيقة التماسك الاجتماعي التي أصدرتها الجماعة، من ذلك على سبيل المثال، أن وفوداً من الجماعة التقت ومازالت تلتقي مع عدد من كبار المسؤولين في الدولة لتتمنى عليهم التوقف عن المشاركة في هذه الممارسات السلبية وأولها جاهات الخطوبة.
كثيرة هي الأسباب التي جعلت جماعة عمان لحوارت المستقبل تختار هذه الشريحة للتواصل معها، أولها أن هؤلاء الرجال شغلوا مواقع متقدمة في الدولة الأردنية، يجب أن تظل محترمة ومحافظة على هيبتها، وهو أمر لن يتم إلا إذا حافظ من شغل هذه المواقع على احترامه وهيبته، وهو أمر صارت التعليقات والنكات الشعبية تمس به، وأي دخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي سيبين حجم النكات والتعليقات الساخرة من تكرار حضور كبار رجال الدولة لجاهات الخطوبة، وتحولهم إلى «خطابات عرايس» كما يقول الناس على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو أمر لا نحبه ولا نرضاه للشخصيات العامة في بلدنا، لذلك نقول لمن كان منهم رئيساً أو وزيراً أو عيناً، عفواً منك فليس من حقك أن تسيء إلى الموقع العام، من خلال الإساءة لنفسك، عبر مشاركتك في ممارسات دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا، مع التأكيد أننا لا نريد لهذه الشخصيات العامة اعتزال الناس، لكنا نريد منها الاعتدال بالأمر، بمعنى أن يشارك الواحد منهم بمناسبات الدائرة الضيقة من أقاربه وأصدقائه، وأن يشترط عليهم أن يكون عدد المدعوين محدوداً، للتخفيف على الناس من جهة، واتقاء لشبهات الرياء الاجتماعي من جهة أخرى، وحتى لا تصبح هذه الشخصيات ديكوراً يخفي ممارسات غير محمودة.
إن جماعة عمان لحوارات المستقبل في طلبها هذا من الشخصيات العامة، تنطلق من القناعة المطلقة بأن المنصب العام يضع قيوداً وشروطاً على من يتولاه، تحد من حريته في التصرف، وتتناسب مع مكانة من يتولاه في ضمائر الناس وعيونهم ومقاييسهم، وتجعل منه نموذجاً يحتذى به، من هنا فإن على الشخصيات التي تتولى المواقع العامة أن تقدم نموذجاً إيجابياً في السلوك، وعليها أن تكون عنصر تغير إيجابي لاصلاح أي خلل في سلوكنا الاجتماعي، واستمرار مشاركتها في الممارسات الخاطئة، فوق أنه يهز من صورتها وهيبتها ومن ثم من صورة وهيبة الموقع العام، فإنه يكرس اختلالات صارت ترتفع شكوى الناس منها، وكثير من الشكوى يأتي على شكل نكتة أو تعليق ساخر، لا نحب أن يكون محوره رجالاً نحبهم ونحترمهم.
الرأي