مدار الساعة – عبدالحافظ الهروط – ما اشبه الليلة في البارحة !
الأردن بحجم الورد، يلفه صقيع البرد وسط عواصف هوجاء من الأعداء، والأشقاء بكل أسف ، ولكنه حجر النرد الذي ان غالبته "الأرقام على الطاولة" ظل "حجر الزاوية" الذي لا يختل ولم يهتز.
هذه حقيقة الوطن في زمن الغربة العربية، وليس كلاماً تثيره العواطف،لأن بلداً كان لا يملك الا اذاعة تنقل صوت الاردنيين وتدافع عن حقه المشروع في سيادته وحقه في النهوض، اذاعة تلاقح او تفاتح او تصارح او تطارح الأثير العربي المدجج بأدوات الإعلام وهديره، لا بد هذا البلد ان يفرض وجوده مهما علا الضجيج وثارت الزوابع من حوله.
وراء هذا الصوت الاردني الداعي لوحدة الأمة، قيادة تحتكم الى العقل وشعب صابر على ظلم ذوي القربى، ورجل ظل فكره وشجاعته حاضرين لحمل المسؤولية، وان غاب عاد كالريح المرسلة، عندما ينادي الوطن : اين اهلي وربعي.
هنا راحلون عن الوطن ولكنهم في ذاكرة الشعب الاردني وقلوبهم، وبيننا احياء ولكنهم موتى، فمن لا ينذر روحه ومصيره لوطنه، لا فرق ان رحل حياً أو ميتاً، ولنا في هذا قصة.
يأتيك "فيديو" عمره عقود من الزمان ، ورغماً عن انفك وكل ما تحمله من جبروت وصلابة او تجمّل وتصّنع ومكابرة على النفس، فإن دمعة حرّى تطفح من عينيك فتبلل شاربك وقد حفرت على الخد واديا.
السجناء يملأون المكان، قد يستحق بعضهم السجن والاقامة الجبرية وقد يكون الاعدام وربما ظُلم آخرون .
وبالتأكيد فإن أبناءهم وزوجاتهم وآباءهم وذويهم كانوا ينتظرون "الفرج" لإخلاء سبيلهم، ولكن من يقدم على شجاعة في اتخاذ مثل هذا القرار الذي ان شرب صاحبه "حليب السباع" فقد يأمر بالافراج عن عدد محدود فيكون إما لضغوطات جهوية او سياسية او لكسب شعبية زائفة زائلة؟
ليس لهذه المهمة في تاريخ الاردن، الا الراحل وصفي التل رحمه الله، ذراع الراحل الحسين طيّب الله ثراه، اذ لا فرق ان وقف الى جانبه الأيمن او الجانب الأيسر عند الشدائد والملمّات.
يذهب "اخو عليا" الى المعتقلين في سجن عمان المركزي ويخرجهم عن بكرة ابيهم ، دون مساءلة او عتب او غضب، فقد كان يقول للسجناء والمعارضين على السواء "هذا وطنكم فاخدموه ان كنتم صادقين" وللأمانة فقد كان من بين المعتقلين رجال اسهموا في بناء مؤسسات الدولة وتشهد لهم الأجيال المتعاقبة والحاضرة.
هذا هو الإصلاح السياسي الحقيقي الذي يُدرّس للأمة وللعالم ، على حد تعبير ورأي صديق.
وصفي يحمله السجناء على اكتافهم وسط موج عارم وعامر بالفرح، يهتفون بإسمه، حتى يُخيّل للمرء لو ان مسؤولاً آخر غير وصفي قدم لهم، ما خرجوا من السجن.
وهذا صاحب الولاية العامة بحقّها، لا غيره، لا من قبله ولا من بعده.
دلّوا الشعب الاردني يا رؤساء الحكومات وذّكرونا: من منكم زار سجناً وأقدم على اخراج سجين واحد، فإن لم يكن ظالماً قد يكون مظلوماً؟
ونقول بجرأة السؤال :ان بعضاً من رؤساء الحكومات، ومنهم من على قيد الحياة، أنكم لم تملكوا الجرأة لمواجهة الشعب ومكاشفتهم على حقائق الأمور وهي حق لهم، فإن لم تكن هذه الحقائق وتلك من حاجاتهم ، فإنها من خوفهم على وطنهم الذين يقبضون على جمر الصبر وجمر الخبز من اجله.
وصفي، ما اعظمك، فقد كنت صاحب الولاية وكنت في حياتك للشعب وقلبك للوطن ومشروع شهادة حتى استشهدت، نّم قرير العين.