مدار الساعة - لا تحرك عمان ساكناً في سياق العلاقة مع النظام السوري، وهي تراقب بكل امكانياتها التصعيد الجنوبي البطيء وتتوقعه ضد المعارضة في المناطق المتاخمة لحدودها، كما تشاهد وتراقب تصاعد الدور المصري القادم من الغرب الى جارتها الشمالية.
عمان ترى بأم عينها اليوم الدور المصري يتسلل بقوة في ملفات اعتقدت لمدة طويلة انها قد تكون اللاعب فيها، في الوقت الذي يتهمها فيها سياسيون من الداخل بعدم “التغيير والتبديل” في المواقف وفقا لما يلائم المرحلة الحالية، والتي ينتصر فيها محور الاسد بموافقة الجميع (عدا اسرائيل).
في الاثناء، المبادرات الاردنية خجولة، والرجل السياسية تتقدم وتعود، بمعنى ان الاسبوع الماضي شهد تصريحا مهما للناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني وهو يؤكد فيه ان مخيم الركبان “خارج الحدود الاردنية” وانه مشكلة سورية، ثم تلا ذلك تصريحات لمصادر حكومية ذات طابع قاسٍ تجاه القائم باعمال السفير السوري ايمن علوش، في وقت كانت فيه عمان تحتضن مفاوضات فتح معبر نصيب بينها وبين دمشق.
التصريحان بدوا وكأنهما مرتبطان بالشعور العماني الكبير والعميق هذه المرة بالخذلان الدولي، لكون الاردن انتظر عمليا ان يتعاظم دوره مع اقتراب حل الازمة السورية وليس العكس، وربط التصريحين ببعضهما قد يوصل الشعور الاردني بحلّ ازمة اللجوء “فقط” على حسابه، وهو ما يبرز بالتوازي مع تصريحات رفع الاسعار الجديدة التي تشير الى ان “الغرباء” يتناولون طعام الاردنيين المعفى ضريبيا.
في الاثناء، لملم رجال النظام السوري اوراقهم من عمان وما عادوا يريدون التفاوض على مصير معبر نصيب، الذي في شقّه الاردني بدأت ارهاصات “نفض الغبار” عنه واعادته للحياة، وهنا الانباء تتضارب إذا ما كانت عمان فعلا رفضت التدخل وخفض سقف توقعات المعارضة، أو الجانب السوري اوجد لنفسه سياقاً اخر لاستعادة السيطرة على المعبر الجنوبي.
من المعروف طبعا، ان اشكالية فتح المعبر كانت بالدرجة الاولى هي “الجانب المسيطر والميسر” للحركة عليه، وهنا اختلف النظام السوري مع المعارضة (الجيش الحر)، لكون الاول لا يقبل الا بإدارته الكاملة.
وقف المفاوضات او تأجيلها تزامن بالنسبة لعمان مع عاملين اساسيين جعلاها ببساطة تترقب اكثر من ان تتدخل في التفاصيل، فقد بدا واضحا التحرك الروسي في الاسبوع الماضي ضد الوجود الامريكي في منطقة خفض التصعيد الجنوبية، إذ اتهم الاول الاخير بتسهيل عبور رجالات تنظيم الدولة الى تلك المنطقة، ما قد يؤشر على “انتهاك قادم ومبرمج” لخفض التصعيد على الحدود الاردنية الشمالية، وهو ما قد قررت سلفا عمان في سياقه انها لن تكون طرفا بحال من الاحوال.
التحرك الاهم والاخطر بالنسبة لعمان والذي تتوقع منه قلب موازين القوى، هو التحرك الاسرائيلي الذي تراهن على انه لن يقف عند حد اسقاط طائرة هنا وارسال صاروخ هناك، وعلى الرغم من العلاقات المتوترة التي تبدو عليها عمان وتل ابيب، الا ان التمسك الاردني بعدم وجود “ميليشيات طائفية” على الحدود الشمالية، يضعها بقصدٍ او بدونه بذات الخانة فتتقاطع المصالح.
العاملان اللذان قرأتهما عمان في التحرك الروسي من جهة والاسرائيلي من اخرى، تجعلها “تستشرف” وفق قراءة “رأي اليوم” ان الحرب القادمة بدأت تترجح على حدودها الشمالية، وهنا يتعارض التهديد الروسي كعامل لاعادة السيطرة التامة لحلفائه في النظام السوري وحزب الله، مع “الخط الاحمر” الاسرائيلي ضد تواجد حزب الله في تلك المنطقة التي ستجعله اقرب لمهاجمة اسرائيل.
رصد التفكير الاسرائيلي ليس صعبا بالنسبة لخبرة عمان فيه، خصوصا بعد التقارير الموسعة التي ترصد القوة التي وصل اليها حزب الله وايران اضافة الى المناورات الخطيرة التي اجرتها اسرائيل في الشمال مرورا بتصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان عن كون لبنان وسوريا جبهة واحدة في الحرب القادمة، وان الجيش اللبناني مع حزب الله عدو واحد وان الاول “فصيل” من الاخر، وليس انتهاءً بسؤال صحيفة هآرتس “الى من ستقف روسيا في الحرب المقبلة: حزب الله ام اسرائيل؟”.
بكل الاحوال، تضع عمان المعطيات جميعا على الطاولة، وتقرر “بخيار او دونه أيضا” ان تراقب عبر ابراجها البعيدة عن الطاولات من جانب التصعيد الكبير في الجنوب والذي يجعلها اكثر تأكدا بأن المسألة لم تحسم بعد، ومن جهة ثانية التفويضات لمصر لتدخل في المفاصل التي كانت يجب ان تمر من تحت يد الاردن، وهنا تحديدا يمكن وضع جملة لمسؤولين أردنيين "لا نريد ان نعتمد على احد" باعتبارها جوهرا صلبا لقناعة القرار الاردني اليوم بأنه “خارج اللعبة” ايضا دون ان يقرّ ان كان “اختار ذلك” او ان سلسلة حسابات خاطئة اوصلته اليه. راي اليوم