أسباب كثيرة دفعت جماعة عمان لحوارات المستقبل, إلى استضافة سعادة السيد إريك أولنهاغ, سفير السويد في الأردن, أولها مكانة السويد في الضمير العربي, فالسويد ليست بلداً مستعمراً, عانى منه العرب كما عانوا من دول أخرى, استعمرت بلادنا ونهبت ثرواتنا, وأخرت تقدمنا, علاوة على أنها بلد محب للعدل, هذه واحدة عززتها الثانية, وهي طبيعة شخصية السفير الذي مازال في مطلع الأربعينيات من عمره, يمتلك وجهاً طفولياً يجعله قريباً إلى النفس, رغم أنه صاحب تجربة ثرية في الحياة العامة في بلده, فهو قبل مجيئه إلى الأردن كان وزيراً للاندماج, وعضواً في مجلس النواب, عرف بأنه من أشد المنتقدين لحكومة بلده, التي لم يمنعها ذلك من تعيينه سفيراً, وهذه واحدة تقتضي الوقوف عندها لسبيبن, أولهما صغر عمر السفير حيث لم يجد أبناء وطنه في صغر سنه, سبباً لانتقاده, كما يحلوا للبعض في بلدنا أن يفعل, عندما يتولى أحد شباب بلدنا موقعاً متقدماً, مثلما هو حال سفير السويد, الذي أصبح نائباً ووزيراً وهو دون الأربعين, ولم يهاجمه أحد من السويد بسبب العمر, مثلما يفعل بعض فرسان التواصل الاجتماعي عندنا, عندما يتولى شاب أردني موقعاً متقدماً, فينسى هؤلاء أن الأردن قام أصلاً على كواهل شبابه, فوصفي التل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس, شكل حكومته الأولى وهو في بداية العقد الرابع من عمره, أي أنه كان في قمة شبابه و...الخ, ومثل وصفي كذلك هزاع ومثلهما الشريف عبد الحميد شرف الذي تولى الوزارة وهو في مطلع العشرينات من عمره, ومثلهم كثير من شباب الأردن, الذين قامت على أكتافهم الدولة الأردنية المعاصرة, ولم يكن الأردنيون يجدون غضاضة في أن يتولى المواقع المتقدمة في دولتهم شباباً منهم, كان ذلك قبل أن ينتشر خطاب الكراهية بيننا حاملاً الحسد والبغضاء, واغتيال السمعة فهل نعود إلى ما كنا عليه, من تقدير لطاقات الشباب وكفاءاتهم, مثلما تفعل المجتمعات المتقدمة ومنها السويد التي أرسلت إلينا سفيراً في ريعان شبابه.
سبب آخر دفعنا في جماعة عمان إلى استضافة السفير السويدي, فقد جاءت هذه الاستضافة في إطار تحضيرات الجماعة لإصدار وثيقة المواطنة, وهي التحضيرات التي اقتضت منا ان نلتقي بالعديد من الشخصيات والرموز الوطنية, ولأننا نؤمن بالتواصل الثقافي والحضاري ومد جسور التعاون بين الشعوب والحضارات الأخرى والاستفادة من تجاربها, ولأن للسويد تجربة ثرية في بناء المواطنة وإدماج المهاجرين واللاجئين ولأن السفير إريك اولنهاغ صاحب تجربة كبيرة في هذا المجال باعتباره شغل منصب وزير الاندماج في بلاده, ارتأينا أن نستضيفه, وأن نتحاور معه, وأن نتعلم منه فالحكمة ضآلة المؤمن أنّى وجدها أخذها, غير أن الذي حدث هو أن سعادة السفير نبهنا أثناء حديثه إلى كنوز كثيرة نمتلكها كأردنيين, بل أن سعادته زادت على ذلك, عندما قال إن على الدول الأوروبية أن تتعلم من التجربة الأردنية الفريدة, في التعايش والتماسك الاجتماعي وجعل التنوع مصدر ثراء وقوة..
مثلما أن على العالم أن يتعلم من النموذج العظيم الذي قدمه الاردن في استقبال موجات اللجوء المتلاحقة وقدرته على استيعابها, رغم التحديات الكبيرة التي حملتها وتحملها هذه الموجات, ورغم شح الموارد الأردنية, علماً بأن موجات اللجوء حملت للأردن تحديات أكبر من تلك التي حملتها لكل من السويد وألمانيا, ذوات الاقتصاديات الكبيرة التي تفوق إمكانيات الأردن بعشرات المرات فوق أن الأردن قدم نموذجاً عظيماً وفريداً في التعامل مع موجات اللجوء فإن طريقة الأردن بالتعامل مع اللاجئين, قد حمت العالم من شرور كثيرة, والقول لسعادة السفير الذي أكمل قوله بالتأكيد على دعوة بلاده وغيرها من البلدان إلى الاستفادة من تجربة الأردن في محاربة التطرف والإرهاب والتعصب, ولذلك فقد عمل هو على استضافة وفد من الأئمة السويديين للاطلاع على التجربة الأردنية في هذا المجال, بالإضافة إلى قدرة الأردن على استيعاب اللاجئين مم يحتم على دول العالم أن تقف إلى جانبه وتدعمه.
إن مما يزيد من عظمة التجربة الأردنية وثرائها وفرادتها, هي قدرة الأردن على الاستمرار رغم شح الإمكانيات, وطبيعة المنطقة القلقة والملتهبة, وهو القلق الذي دفع بموجات اللجوء المتلاحقة إلى الأردن, مما جعل قدرته على الاستمرار من الأمور التي يصعب فهمها, كما قال سعادة السفير الذي أشار إلى أحد مفاتيح فهم التجربة الأردنية, وهي استثمار الأردن بالتعليم الذي ساهم في بناء تجربته الفريدة.