مدار الساعة - في بلد غارق بـ"المحافظة" كالأردن، قد يبدو الحديث عن قضية "تحرش أساتذة الجامعات بطالباتهم"، امرا مثيرا للغرابة والدهشة.. فما بالك ان تصبح هذه القضية "البالغة الحساسية" في مجتمع "عشائري قبلي" كالأردن، ظاهرة، أقل ما توصف الآن بانها "طاغية".
وبعد محاولات جاهدة، من الوصول لعدد من الطالبات، كن ضحايا هذه الظاهرة، التي باتت مستفحلة داخل اسوار الجامعات، وفق ما روين من قصص، لا زلن يعشنها حتى الآن.
(غ. م) طالبة السنة الثالثة في كلية الاقتصاد بالجامعة الاردنية الحكومية، نزعت عن قلبها الخوف المتلبس بالحياة المفرط، وروت بعضا من تفاصيل قصة معاناتها، مع مدرس قالت بانه "شاب"، يتودد لها، ويمارس هوايته المحببة، كما تصف، بإسماعها كلمات "جنسية مغلظة"، تطورت لاحقا بالتحرش بها "جسديا" في عتمة مكتبه.
تقول الطالبة في حديثها، أن هذا "الأستاذ" الشاب، لم يكتف بها وحدها، بل طال تحرشه "المقرف" عددا آخر من الطالبات في كليتها، مستغلا، حضورهن لمكتبه، كل على حدة، لمناقشة الأبحاث والتقارير، التي يلزمها لهن كل فصل دراسي، حتى حان دورها في المناقشة، ليقع جسدها، ضحية يديه "القذرتين"، وفق تعبيرها.
"استدعاني إلى مكتبه، لمناقشة البحث.. جلست على الكرسي القريب من طاولته، لم تمض سوى دقائق صامتة، كان يتصفح فيها أوراق البحث، ليقوم بعدها ويجلس على الكرسي المقابل لي، ويرمقني بنظراته الحادة، التي خلعت قلبي من مكانه، ثم أمطرني بأسئلة تتعلق بالحب والغرام داخل الجامعة، وابتسامة الخبث على شفتيه.. ومع كل سؤال، كان نظره يقع على مفاتن جسدي.. وبلحظة خاطفة، يمسك بيدي مدعيا معرفة بـ(البخت)، وقراءة الحظ من اليدين.. سحبتها بشدة، وأسرعت نحو باب المكتب مغادرة، لا أكاد اشعر بخطواتي من شدة الرعب..".
هكذا، تروي الطالبة ، كيفية تحرش الأستاذ بها داخل غرفة مكتبه، والتي وصفتها بتحولها لـ"غرفة نوم"، وضع فيها فرشة بلاستيكية منفوخة، إضافة لأدوات مكياج، يدعو غالبا أي طالبة تدخل مكتبه للجلوس بقربه عليها، تؤكد المتحدثة.
هذه الطالبة، لم تكن الوحيدة التي تعرضت لمثل هذا الأسلوب المشين من قبل هذا الأستاذ، حسب قولها، حيث "تحرش هذا الأستاذ نفسه بعدد من صديقاتها".
بتلكؤ شديد، تقص إحدى صديقات المتحدثة، وزميلتها في الكلية، كيف راودها ذات الأستاذ عن نفسها، بالتقائها خارج الجامعة، مقابل رفع معدل علاماتها المنخفض أصلا، لتخرج من مكتبه منفجرة بالبكاء، وفق ما كشفته الطالبة ، والتي رفضت الافصاح عن اسمها.
لم تفلح في كسر جليد الخوف، وتجاوز حاجز الصمت لفتيات يدرسن مع الشابة (غ،م)، والحديث عن قصصهن المؤلمة مع أستاذهن في الجامعة، لرفضن أن يتحدثن في العلن، ويفضلن أن يبقى ما حدث ويحدث للآن، بينهن فقط.
الحال نفسه، يتشابه إلى حد كبير في الجامعات الحكومية الأخرى، فضلا عن الخاصة، التي تغص بقصص يندى لها الجبين، يحصل لهؤلاء الأساتذة، على مختلف أعمارهم، مبتغاهم في إشباع رغباتهم الجنسية، مستغلين سلاح "المقايضة بالعلامة"، وسلطاتهم في إنجاح الطلبة من عدمها.
وقامت إحدى الطالبات في جامعة مؤتة (جنوب الأردن)، بتسجيل مكالمة هاتفيه، وحصلت عليها، عقب إقدام أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بالاتصال بها ليلا، كان محتوى المكالمة أشبه بمشاهدة فيلم "إباحي"، يدور حول إقناع الفتاة بمنحه بضع قبلات عبر الهاتف الجوال، وممارسة "الجنس" معها في وقت لاحق، وكل ذلك مقابل نجاحها في مادة التخصص، التي يدرسها في الجامعة.
ولم يتوقف الأمر عند محاولات مقايضة جسد الطالبة بالعلامة، بل وصل بالبعض من "الدكاترة" إلى حد تلفيق التهم، كما حصل للطالبة في جامعة الزيتونة الخاصة سحر (اسم مستعار).
وتبين الطالبة المتوقع تخرجها نهاية الفصل الدراسي الجاري، في حديثها، معاناتها المتواصلة في جامعتها، التي تتلخص باستغلال "جسدها" من قبل "دكتور" مادة تخصصها، والتي يتوقف تخرجها من عدمه على النجاح فيها، وذلك بعد أن اتهمها بسرقة هاتفه النقال، خلال إحدى زياراتها لمكتبه، بقصد استيضاح بعض مباحث المادة.
"لو كان لجدران غرفة المكتب لسان وفم، لتكلم وشهد على مقاومة محاولاته لاستباحة جسدي، ورفضي المتكرر بعد أن هددني بتبليغ الجهات الأمنية في الجامعة، و(ترسيبي) في المادة، بتهمة سرقة هاتفه.. وهو ما لم يحصل.."، وفق ما بينته المتحدثة، التي أكدت أن التحرش بها تطور إلى إزعاجات هاتفية على "الموبايل" في المنزل، يسمعها خلال الاتصال ألفاظا جنسية "بحتة"، وفق وصفها.
وحتى الآن، لم تتجرأ أي من الحالات آنفة الذكر، وفق ما أكدنه، على تقديم شكوى رسمية إلى إدارة جامعاتهن، لاتخاذ إجراءات قانونية بحق هؤلاء الأساتذة، معللين ذلك بمخاوف عدم تصديقهن، أو رسوبهن في المادة التي يدرسنها عند هؤلاء "الدكاترة".
وعادة، ما تعمد إدارة عمادة شؤون الطلبة في الجامعات، إذا تلقت شكوى بتعرض إحدى الطالبات لمحاولة تحرش جنسي من قبل أحد أعضاء الهيئة التدريسية فيها، إلى تشكيل لجنة للنظر بالشكوى في العمادة، يتكون أعضاؤها من أكاديميين قد يتحيزون لزميلهم، أو تحفظ الشكوى وتبقى في أدراج المسؤولين في العمادة، لذلك فضلت الطالبات أن يلتزمن "الصمت"، والعيش مع الخوف والقلق.
مصادر في وزارة التعليم العالي، لم تنف، وجود ظاهرة "الاستغلال الجنسي لطالبات من قبل أساتذة جامعيين"، إلا أن كل ما يدور بين جنبات مكاتب هؤلاء، يبقى هناك، ومع غياب أي أدلة أو شهود على "جريمة التحرش"، تبقى فرصة اتخاذ إجراءات إدارية بحقهم ضئيلة.
وفي سياق البوح ولو قليلا، بالجرائم التي ترتكب بحق أعراض الطالبات داخل حرم الجامعات من قبل الأساتذة، فقد وصفت الصحافة المحلية فترة وجيزة، القرار الذي اتخذته رئاسة إحدى الجامعات، بإحالة (6) أساتذة جامعيين فيها، بتهمة التحرش الجنسي بطالبات، بالقرار "الجريء"، وخطوة غير مسبوقة، الأمر، الذي أحدث هزة وفضيحة من العيار الثقيل، ضربت أركان التعليم العالي بالأردن.
إلا أن مهتمين بالشأن التعليمي في الأردن، رأوا في هذه الخطوة، فرصة حقيقية لتسليط الضوء على الصلاحيات المطلقة لأستاذ المادة، ما يجعل بعض هؤلاء الأساتذة، يتعاملون مع الطلبة من على قاعدة "انا وفقط".
فالتحرش هنا -على خطورته الكبيرة جداً- هو نتيجة وليس سبباً، فهو نتيجة لهذه الصلاحيات المعطاة لأستاذ المادة، والتي تسمح له بترسيب طالب في مادة أو حرمانه منها، أو حتى إلقاء التهم على الطلبة، بهدف فصلهم من الجامعة، وفق المنسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" فاخر دعاس.
ويضيف دعاس، أن الأمر يتفاقم، عندما نعلم بأن الكثير من المواد هي محتكرة لأساتذة بعينهم، نتيجة لقلة الأكاديميين، الناتجة عن ضعف الإمكانات المادية للجامعات، بعد تقليص الدعم الحكومي لها إلى ما يقارب الصفر دينار سنوياً.
تجدر الإشارة، إلى أن قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1969، المطبق في الأردن، تنص المادة (308) منه على أن "من عرض على شخص، لم يكمل الثامنة عشرة من عمره، أو على أنثى مهما بلغ عمرها، عملاً منافياً للحياء أو وجه لأي منهما كلاما منافيا للحياء، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، أو بغرامة من ثلاثين دينارا الى مائتي دينار".
غير أن ناشطين في مجال حقوق الإنسان يرون أن هذه العقوبات، غير رادعة، مقارنة مع حجم الفعل الذي وقع على الضحية. (قناة الحقيقة)