مدار الساعة - نشرت «واشنطن بوست» تقريرًا كتبه «مارك لينش» بالتعاون مع كل من «كريستين كاو» زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في برنامج «الحكم والتنمية المحلية» في جامعة غوتنبرغ، و«إلين لوست» أستاذ العلوم السياسية في جامعة غوتنبرغ والمدير المؤسس لبرنامج الحكم والتنمية المحلية في جامعتي ييل وغوتنبرغ. يتناول التقرير تحليلًا لواقع الحركات الإسلامية إذ شهدت الفترة الأخيرة نجاح بعض الحركات على المستوى المحلي بينما فشلت أخرى.
في 15 أغسطس (آب)، أثار فوز «التحالف الوطني الإسلامي للإصلاح»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- بعدد هائل من المقاعد في الانتخابات المحلية الأردنية الدهشة، بما في ذلك الفوز برئاسة ثلاث بلديات. يقابل هذا الفوز نجاح حزب «العدالة والتنمية الإسلامي» في المغرب، والذي فاز بكل المدن الرئيسية في الانتخابات المحلية عام 2015. وبينما ركز العديد من المحللين على التقليل من شأن تأثير الأحزاب الإسلامية في مصر وتونس، فإن تلك النتائج والمكاسب الانتخابية تروي قصة مغايرة.
بيد أننا لا يمكننا أن نفترض حتمية نجاح الإسلاميين على المستوى المحلي، كما لا يمكننا استبعاد آفاقهم المستقبلية، كان التصويت للإسلاميين في الأردن فقيرًا نوعًا ما في العاصمة عمان حيث يقطن حوالي 50% من سكان الأردن. وبينما كان أداء حزب العدالة والتنمية في المغرب جيدًا، فشل في التواصل مع الناخبين الريفيين. تدفعنا تلك النتائج إلى استكشاف مدى انخراط الإسلاميين في المستوى المحلى، وهو موضوع لطالما تم تجاهله بسبب التركيز على الحركات القومية والعالمية الإسلامية.
الحقيقة أن الإسلاميين كغيرهم من الأطراف السياسية والاجتماعية لديهم نداءات متفاوتة، فعادة ما يكون أداؤهم مدفوعًا من العوامل المحلية وليس من القصص الكبري، وقد سعت مؤخرًا ورشة عمل استضافتها مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط، وبرنامج جامعة غوتنبرغ للحكم والتنمية المحلية لاستكشاف سبب نجاح الإسلاميين في بعض المناطق، بينما فشلوا في أخرى.
استنادًا إلى تراث متنام للعلوم السياسية في الدراسات الشرق أوسطية، فحص أكثر من 12 عالِمًا أداء الأحزاب والحركات الإسلامية على المستوى المحلي وفي المناطق النائية وخارج العواصم والانتخابات الوطنية، يمكن تحميل كل المقالات التي كتبت من الرابط هنا.
لماذا ومتى يختار الإسلاميون المشاركة؟
تعكس تجارب الإسلاميين الأخيرة في الانتخابات المحلية مدى تداخل السياسات المحلية والقومية، ففي فلسطين على سبيل المثال، انعكس قرار حماس بمقاطعة الانتخابات المحلية على العلاقات المتوترة مع حركة فتح و زادها تعقيدًا.
في الأردن، جاء قرار جماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في الانتخابات المحلية مدفوعًا –إلى حد ما- بقانون الانتخابات البرلمانية لعام 2016. بالتأكيد استفاد الإسلاميين في الأردن من لا مبالاة العديد من الأردنيين تجاه عملية إحلال اللامركزية، والتي تضمنت مجموعة جديدة مربكة من القواعد الانتخابية يلزم تعلمها. بالنسبة للكثير من الأردنيين تفتقر المناصب الحكومية المحلية إلى السلطات التقديرية الجادة، فهي ببساطة ليست ذات قيمة كالمناصب على المستوى الوطني. باختصار، ربما يكون الإسلاميين قد أبلوا بلاءً حسنًا -تحديدًا- بسبب أن الانتخابات المحلية أقل حظًا من الوطنية.
في تركيا، اجتاح حزب العدالة والتنمية الإسلامي الانتخابات الوطنية، وترأس الحكومة منذ عام 2002، بيد أن أداءه على المستوى المحلي اختلف تمامًا، تقدم «إيفرين سيليك ويلست» -أحد المؤلفين في مجموعة العلماء المشاركين في الورشة- دليلًا تجريبيًا على محدودية وصول حزب العدالة والتنمية للمناطق الثلاث في تركيا، ما يدل على أنه على الرغم من السرد الشائع، لا يقبل كل الناخبين في المناطق النائية المتطرفة قيادة الحكومة الحالية.
تفسيرات هيكلية لنجاح الحركات الإسلامية محليًا
اقترح عددًا من الدراسات المهمة أن الاختلافات المحلية في الظروف الاقتصادية الاجتماعية هي مفتاح التفسير، وذلك في ضوء توقع اكتساب الحركات الإسلامية قوة من الطبقة الوسطى. تبرز أعمال «ديانا زيدان» كيف أن إعادة الإعمار في جنوب لبنان بسبب الصراع طويل الأمد مع إسرائيل جعل الخبرة التقنية أولوية عليا للحكم، وقد استغل حزب الله هذا العامل؛ فاتبع استراتيجية توظيف خبراء تقنيين وتنمويين محليين باعتبارهم مفتاح النجاح الحالي في السياسات المحلية.
الدراسة التاريخية لإمكانية وصول الإسلاميين للموارد المادية كالمساجد والمدارس، فضلاً عن استغلالهم لتواجدهم في للبنية التحتية يمكن أيضا أن يسلط الضوء على أين وكيف ينتشر تأثيرهم.
العمل -سواء ناجح أم لا- تحت قيود
على الرغم من وصولهم للسلطة، من المفيد الأخذ في الاعتبار أن إدراك متى وأين سينجح الإسلاميين في الحكم، لا يعتمد على كفاءتهم وحسب، بل على المجالات التي تمنحها لهم الحكومة المركزية. ففي الأردن على سبيل المثال يستمر الحكام المعينين مركزيًا في تقييد الحكومات المحلية وحكومات المقاطعات، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة لإحلال اللامركزية. وهكذا، حتى مع انتخابهم، سيتعرض الإسلاميين المنتخبين وغيرهم من المسؤولين المحليين المنتخبين إلى العرقلة.
لكن حتى مع وجود تلك القيود، يبلي الكثيرمن المسؤولين المنتخبين بلاءًا أفضل من غيرهم. تشير «جنين كلارك» إلى أن نجاح الإسلاميين ربما يعتمد على قدرتهم على إقامة روابط مع المجموعات غير الإسلامية وتعبئة الموارد، ولاسيما كسب مصداقية بين السكان المحليين، وبالمثل، يؤكد «يوري نوح» على أن هناك تحالف قوي متزايد بين الإسلاميين والسكان القبليين الذين يشعرون أن مجتمعهم يفقد صلته بجذوره المحافظة، والذين لديهم أيضًا مظالم اقتصادية ضد الدولة.
وبمجرد أن يستحوذ الإسلاميين على الحكم ، يمكن أن ينبني النجاح على نفسه ويتراكم إذا ما حكموا بكفاءة، لم يكن نجاح حزب العدالة والتنمية في المغرب بسبب قوتهم على الأرض فحسب، بل بسبب قدرتهم على إظهار قوتهم باعتبارهم الحزب الحاكم وقتها، وبعبارة أخرى أنهم كانوا يتمتعون بـ«مزية شغل الوظائف»، وبالتالي يمكن أن نعزى أغلب نجاحات واخفاقات حزب العدالة والتنمية إلى خدماتهم التأسيسية واستجابتهم لاحتياجات الناخبين المحليين الذين انتخبوهم.
علاوة على أن العديد من الأحزاب الإسلامية ربما توظف تكتيكات مختلفة في المناصب، على سبيل المثال رَكز المحافظين السابقين التابعين لحزب الرفاه الإسلامي التركي على الرعاية الاجتماعية وتوفير الخدمات والروابط الزبائنية، مقارنة بممثلي حزب العدالة والتنمية الأكثر تأييدًا للأعمال التجارية مستهدفين مشروعات التحول المدني والبنايات السكنية.
ربما يستهدف الإسلاميين أيضا شرائح مختلفة من السكان من غير الإسلاميين، لاسيما حيث يكونون في صفوف المعارضة، وجدت «ليندسي بنستيد» أن أعضاء المجتمعات المهمشة أكثر عرضة للاتصال بالأحزاب الإسلامية عند حاجتهم للمساعدة من مسؤول منتخب.
سياسات الحركات الإسلامية عادية ومتباينة
باختصار، سياسات الحركات الإسلامية على المستويين المحلي والوطني معقدة ومتنوعة، تظهر التحليلات لسياسات الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنوعًا هائلاً في توظيف الاستراتيجيات وإدراك النجاحات، قد تكون الأيديولوجيا ذات أهمية، لكن سياقات الوكالة والهيكلة مهمة أيضًا.
إن أردنا فهم أهمية التحولات الحادثة في الإقليم اليوم، يجب أن نستمر في الحيد عن الروايات الكبرى التي تلقي على الفروق الدقيقة غمامات التعميم، وأن ندرك التنوعات الهائلة للمشاركات المحلية والوطنية للحركات الإسلامية."ساسة بوست"