انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الجَهلْ المُقدّس

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/24 الساعة 10:23
حجم الخط

الجهل المقدس ، هذا المصطلح الذي استعرته من الفيلسوف الايطالي ( جوردانو برونو ) ، والذي أحرق بالنار حیّا في مدینة روما بعد ثماني سنوات في السجن لمخالفته تعليمات الكنيسة ، وقبل أن یُحرق ، ?ان صامتاً مستسلماً ، ولكن ما دفعه للنطق بعبارة خلّدها التاریخ، رؤيته امرأة عجوز تلقي قطعة من الحطب بالنار وتنطق باسم الله، حينها صرخ قائلا : (اللعنة علی هذا الجهل المقدّس).

واليوم ليس بعيداً عن الأمس، فإن ما یحدث للعالم العربي والإسلامي، هو الذي دفعني للكتابة والتأكيد على هذا المصطلح، فالأوضاع الوحشية المرعبة، والرهیبة التي تعيشها، وتواجهها، وتعاني منها بعض تلك البلدان، هي رد فعل لهذا النوع من الجهل .

فنحن نسمع ونرى ?لّ یوم أخباراً مرعبة ومحزنة، في سوريا والعراق وليبيا واليمن و بورما وغيرها، والحرب الوحشیة المستعرة، وعملیات القتل المرعبة، التي تحدث وتتسبب في قتل ونكبة وتهجير الكثیر من البشر ، ما هي إلا نتیجة هذا النوع من الجهل .

والجهل المقدّس، والذي ظهر في أشكال مختلفة، قد تسبب بالعدید من المآسي الوحشية والدموية علی مرّ التاریخ، سواء التاريخ الإسلامي ، او التاريخ المسيحي ، او التاريخ اليهودي .

وهذا الجهل عادة ما يرتبط إرتباطاً مباشراً مع غريزة عقيدة الدين ، لكنه الدّین الذي یؤمن به الإنسان علی مزاجه وأهوائه النفسیة والشخصية ، وليس على العقل الواعي والراشد .

فهو یرتكب أفظع الجرائم والمحرمات التي حرمها الله ، وفي تصوّره أنها لله وأنه يجاهد من أجل الله وفي سبيله ، وأنّ تلك الجرائم تقرّبه من الله وستدخله الجنة .

ويحاول هذا النوع من البشر دائماً، إضفاء طابع القداسة الدينية على حديثه ، وسلوكه ، وأفكاره ، ومعتقداته ، وتصرفاته ، التي ليست من الدّين بشيء .

ومن يستخدم هذا الاسلوب دائماً وأبداً ، وعلى مرّ العصور ، هو الساعي واللاهث وراء السلطة والكرسي ، سواء كانت السُلطة الدينية ، او السُلطة السياسية ، لكي يُسيطر على الذي أمامه ، وخاصة في المجتمعات ذات الطابع الديني ، وهي غالباً المجتمعات العربية والاسلامية ، والشرقية عموماً.

فالسياسي يمارس سلطته تلك على شعبه، ورجل الدين على أتباعه، فكلهم يستخدمون نفس الخطاب والمبني أصلاً على الضلال، والظلام ، والجهل المقدس ، والهدف دائماً الوصول للهدف ، مع إضفاء الشرعية المفقودة دينياً ، وسياسيا ، واجتماعياً .

لكن هذا الخطاب الظلامي الجاهل ، لا يستطيع التعامل مع من يخالفه بالرأي ، وغير قادر أصلاً على إستيعاب الرأي والرأي الاخر ، وغير مؤمن بالقيم الثقافية والفكرية ، والانسانية ، والتعددية .

ومواجهة هذا الجهل المقدس ، لا يكون إلاّ بالعلم والتعلم والتعليم ، ونشر الدّين الحقّ ، ونشر الثقافة والنور، والانفتاح ، والتقارب ، والتواصل مع الاخرين واحترام عقولهم.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/24 الساعة 10:23