حين استدعت الحكومة سفيرنا، في طهران، الصديق عبدالله ابو رمان، (نيسان 2016) لم يخطر في البال سؤال واحد - على كثرة الاسئلة التي طرحت آنذاك - وهو: هل سترد طهران على الخطوة الاردنية باستدعاء سفيرها في عمان ..؟
كانت الاجابة - بالطبع - من قبيل لزوم ما لا يلزم، لكن لماذا لم تفعل ايران ذلك ؟
هناك 3 اسباب في تقديري منعت الايرانيين من الرد بالمثل، الاول رغبة طهران في استمرار العلاقة مع الاردن باعتبارها مصلحة ايرانية اولا، فمنذ بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد الثورة لم تتردد طهران بدق الابواب الاردنية لتنشيط التعاون بينهما، كانت دائما هي التي تبادر لذلك، وربما ساهمت المرجعيات الدينية في “قم” بتصدير صورة مقبولة “للاردن الذي يحكمه الهاشميون من آل البيت” في ترسيخ مثل هذه الرغبة.
اما السبب الثاني فهو ادراك ايران بان الاردن بحكم موقعه الحساس وظروفه الصعبة محكوم باضطرارات وتوازنات لا يستطيع ان يتجاوزها : في الازمة الاخيرة التي استدعت سحب السفير مثلا فهمت طهران الرسالة باعتبارها تضامنا مع الاشقاء في الخليج، كما فهمت آنذاك قطع العلاقات ابان حربها مع العراق في اطار المصالح والاوليات الاردنية الملحة.
يبقى السبب الثالث وهو يتعلق باستراتيجية مدّ ( النفوذ ) التي انتهجتها طهران في المنطقة والعالم ( كبديل لتصدير الثورة)، والنفوذ هنا انطلاقا من فكرة يثرب التي اشهرها لاراجاني لا يتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية فقط، وهي مهمة بلا شك، وانما بفكرة الثورة وامتدادها الجغرافي على الارض ( الحكومة الاسلامية العملية لا مجرد العالمية)، فمن فوق برج “ميلاد: غرب طهران ينظر الايرانيون للمنطقة والعالم من فوق باعتبارهما مجالا للنفوذ او للوصول على الاقل، وقد ترسخت لديهم الفكرة (نجحت : ادق) بعد ان سيطروا على عاصمتين عربيتين على الاقل، وتغلغلوا في افريقيا وجنوب اسيا، وتجاوزوا عقدة النووي بتوقيع الصفقة مع الدول الكبرى(5+1).
اذا كان منطق طهران في ترسيم علاقتها مع محيطها، ومع الاردن تحديدا، يقوم على هذا النحو من التفكير، فان منطق عمان يبدو مختلفا، فالعلاقة مع طهران من وجهة نظر اردنية تخضع لاعتبارات سياسية متعددة ومتناقضة احيانا، بعضها يتعلق بالامن الوطني وبعضها الاخر يتعلق بالرهانات والحسابات السياسية والاقتصادية مع الاشقاء والاصدقاء، وهي هنا معروفة ولا تحتاج الى تفصيل .
الان، بعد عام ونصف العام على استدعاء السفير حدثت تحولات متعددة على صعيد الدور الايراني في المنطقة، ايران تحكم قبضتها على العراق، وتتمدد في سوريا، ولها نفوذ في لبنان واليمن، بمعنى انها تحيط بأهم حدود الجوار مع الاردن، ما يهم عمان هنا : الانفتاح على بغداد اقتصاديا وسياسيا، وضمان امن واستقرار البادية السورية الجنوبية، ومفتاح المسألتين مع ايران .
هل ستدفع المتغيرات الجديدة عمان لمدّ يدها الى طهران من جديد ..؟ لا استبعد ذلك . فأمام الاردن تفاهمات مع بغداد( انبوب النفط من البصرة للعقبة مثلا) لا يمكن ان تمر بسهولة دون “مباركة” طهران، وامام اقتراب النظام السوري من الحسم في سوريا بمساعدة ايران يجد الاردن نفسه مضطرا لفتح ابواب التنسيق والتعاون على الاقل مع طهران لتأمين اي عودة ممكنة للعلاقة مع دمشق مستقبلا.
صحيح ان الاردن اعتمد في ادارة الملف السوري على موسكو(واحيانا واشنطن) للضغط على ايران من اجل اخذ المصالح الاردنية بعين الاعتبار، لكن الصحيح ايضا هو ان التعاون المباشر بين عمان وطهران سيتيح للاردن مساحة اكبر من الحركة كما انه سيضمن تامين مصالحه بشكل افضل، خاصة على صعيد مرحلتى ما بعد الحرب في سوريا وما بعد داعش في العراق.
اذا اضفنا لذلك مسألتين : الاولى ان عمان راهنت منذ ان استدعت السفير على بعض الوعود والمتغيرات في علاقتها مع اشقائها الخليجيين، لكن رهاناتها لم تنجح بالشكل المطلوب، وبالتالي فان القطيعة مع ايران لم تسفر الى نتيجة، والمسألة الثانية ان علاقات ايران مع امريكا والغرب ومع تركيا وبعض الاشقاء تحسنت او حافظت على ما كانت عليه، فان عودة عمان بالتالي الى “سلة الخيارات المتنوعة” في علاقاته مع محيطه لن يترتب عليه اية خسارات سياسية، ربما يكون ثمة عتب سياسي هنا وهناك من الذين يصنفون طهران على قائمة العدو البديل لكن الاردن ليس معنيا تماما بهذا التصنيف.
اعرف ان ثمة مستجدات اخرى على صعيد “صفقة” القرن التي تجري لتسوية القضية الفلسطينية، وعلى صعيد الازمة الخليجية التي حضرت ايران فيها بقوة، وعلى صعيد الدور والاستدارة التركية نحو طهران، هذه كلها او بعضها قد تجعل عمان مترددة في تطبيع العلاقة مع طهران في هذا التوقيت، لكن ذلك لا يمنع من التفكير في ترطيب العلاقة بين الطرفين على الاقل من خلال اعادة السفير، وهي خطوة متوقعة ولا اعتقد انها مكلفة سياسيا او صعبة.
الدستور