مدار الساعة - كتب .. أ. د. أمين المشاقبة
تفرض ضريبة الدخل بنسبة مئوية واحدة ويزداد التحصيل كلما زادت الشريحة، وحسب مقدرة المكلفين، وهدفها تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية للناس، وما هو دوماً ليس هدف الدولة جمع المال، إذ إن هدفها الأساسي هو الأمن والاستقرار والطمأنينة وحماية المجتمع وتوزيع عوائد التنمية بعدل وشفافية، وحماية الأمن الوطني للدولة الذي ينطلق من قدرة الدولة على الحفاظ على حدودها وكيانها وتماسكها وترابطها الداخلي والوظيفي، ويعبر عن مجموعة ممارسات تضمن التخلص من المخاطر التي تهدد السلامة العامة للدولة، وهو بحد ذاته مسؤولية اجتماعية وعملية لضمان استمرار وديمومة عمليات التنمية والتطور والعمل والانتاج، والأمن الوطني يشمل تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع المكونات من أفراد وطبقات دون تفرقة وتوفير التوزيع العادل للموارد.
وعليه فإن التفكير بتغير شريحة الدخل الخاضعة للضريبة أمر يتناقض مع معطيات الحال الوطنية ويمس مفهوم الأمن الوطني الأردني في الصميم.
إن أي سياسة اقتصادية ليست هي أرقام فقط، بل ذات أبعاد اجتماعية وثقافية تؤثر على العلاقات الاجتماعية القائمة، وفي ضوء واقع الحالة فأن معدلات الفقر متفاوتة بين محافظة وأخرى، إذ تصل في بعض المحافظات مثل المفرق، جرش، عجلون ومعان وغيرها ما يقارب من 32%-34%، وبمتوسط حسابي عام فهي 17.5% وربما أكثر، وخط الفقر في المملكة يقع ما بين 819-859 دينارا أردنيا للفرد الواحد سنوياً، وإذا ما أخذنا معادلة أساسية وحسب حجم الأسرة 5.8 فرد، فإن الأسرة الواحدة تحتاج إلى مبلغ 4982 دينارا أردنيا للحاجات الأساسية دون الكماليات والعلاج والتنقلات وأجور السكن، وبمعدل 415 دينارا شهريا، وإذا أضيفت الأشياء غير المحسوبة بالمعدل، فإن الأسرة تحتاج إلى مبلغ 675 دينارا أردنيا لعيشة الكفاف وحياة عادية متواضعة، والتساؤل هنا كيف يفكر بوضع ضريبة على شريحة الدخل (500) دينار فأكثر؟
أما الوجه الآخر للفقر فهو البطالة التي وصلت حسب أرقام الحكومة الحالية إلى 18.2 وهي بحسبة بسيطة أكثر من ذلك بكثير، هناك 341 ألف متقدم للوظيفة في ديوان الخدمة المدنية من حملة الشهادات المختلفة، ويضاف لهم ما يقارب 200 ألف دون الثانوية العامة غير مسجلين ويصبح الرقم 541 ألف عاطل عن العمل، وحسب مجموع القوى العاملة تصبح النسبة هي 36% للبطالة، وهناك دراسة أشارت إلى نسبة البطالة لدى الذكور هي 34% ولدى الإناث 46%. أما الوجه الآخر للفقر، والبطالة فهو الجريمة بكل أنواعها التي هي في ارتفاع مضطرد منذ عام 2010، وانتشار المخدرات وجرائمها التي تضاعفت 100% من ذلك العام، وآثار اللجوء السوري وتداعياته على الاقتصاد الوطني والبنى الاجتماعية الحاضنة وما جاء به اللجوء من مشاكل اجتماعية واقتصادية جديدة خلال السنوات السبع الأخرى، عانى المواطن من ارتفاع أسعار الوقود التي انعكست على كافة السلع والاحتياجات الأساسية للمواطن، ناهيك عن التضخم وضعف القوة الشرائية للدينار.
إن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي ذكرت سابقاً أهم بكثير من تقليل عجز الموازنة؛ لأنها في صميم الأمن الوطني للدولة، التي تحرص على استيعاب أية أزمة اقتصادية عند حدوثها، وخصوصاً التي تؤثر على الحاجات الأساسية للأفراد باعتبارها أساساً من أساسيات الأمن الوطني.
إن التعامل بالأرقام فقط دون أخذ الأبعاد الاجتماعية والإنسانية أمر لا يمكن قبوله في ظل جملة من التحديات التي تعصف بالإقليم وتؤثر على الأوضاع الداخلية، عجز الموازنة مزمن في الحالة الأردنية وتهز الانتداب البريطاني لمن يراجع موازنات الحكومات المتعاقبة ليس بجديد، والتساؤل كيف تضاعفت المديونية منذ عام 2011 إلى يومنا هذا؟ إن سياسة الجباية المالية المتبعة منذ اكثر من عقدين من الزمن ليست بالسياسة الحكيمة.
إن الشعب الأردني صبور كصبر الجمال، وواع ومدرك لكل ما يحيط به، وهو صاحب انتماء أصيل وولاء عريق، ولا يجوز أن يخذل بلقمة عيشه، وتغلق الأبواب دونه، الناس كانت تتوقع زيادة في الرواتب وليس فرض ضرائب جديدة أو رفعها. المواطن الأردني يعاني من كثرة الضرائب والرسوم التي لا حد لها إذ وصلت إلى فرض ضريبة على الضريبة وفلس الريف أصبح مع الزمن 990 فلساً، والمواطن الأردني مثقل بالديون فرحمة بالوطن وأمنه الوطني والمواطن الصابر القابض على جمر الحياة من أجل أمل قادم أو حلم لا يصحو منه.
الدستور