من الصعب الركون كثيرا إلى نتائج إعلان حماس من القاهرة عن استعدادها لحل ما يسمى اللجنة الإدارية في قطاع غزة، كتلبية لشروط المصالحة مع “فتح”؛ ليس فقط لأن تفاهمات كثيرة سابقة لم تسفر عن نتيجة، بل أيضا لأن شياطين كثيرة لا زالت كامنة في التفاصيل، لكن المتفائلين يرون أن الراعي المصري سيدجّنها، وصولا إلى إقناع محمود عباس بقبول الاتفاق.
ترحيب “فتح” المتحفظ بالإعلان يشير إلى أنها ليست مقتنعة تمام القناعة بالتفاهمات، حتى لو تعاطت معها مجاملة للراعي المصري. وقيادتها أصلا لا تنظر بعين الارتياح لكل متعلقات قطاع غزة الذي لا ترى فيه غير حماس من جهة، وخصم رئيسها اللدود (محمد دحلان) من جهة أخرى، ما يعني أنها لا تجد لها فيه موطئ قدم حقيقي يلتزم بما تريد.
القصة كلها بالغة التعقيد، وهي جزء من تعقيدات المشهد الإقليمي، وربما الدولي أيضا، ذلك أن من الصعب التعاطي معها خارج سياق الضغوط الأمريكية لتمرير ما يسمى “الحل الإقليمي”، والذي يعني حكما ذاتيا على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية مع قطاع غزة، تحت مسمى الحل المؤقت، مع تطبيع عربي مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يعني تصفية للقضية الفلسطينية، وأقله إدخالها في مأزق كبير جدا في المدى القريب، وربما المتوسط، ما لم يأخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة ويقلب الطاولة في وجه الجميع عبر انتفاضة شاملة.
قلنا مرارا إن الأخطاء السياسية الكبرى لا تمر بسهولة، وحماس أخطأت بدخولها انتخابات أوسلو، بعد أن كان رفضتها في العام 96، وجاء الحسم العسكري صيف العام 2007، ليدخلها في المأزق الأكبر، ويحوّلها إلى حركة لإدارة قطاع غزة، والدفاع عنه وتأمين متطلباته؛ هو الذي لا وجود لجيش الاحتلال فيه، ولا يمكنه فعل شيء خارج سياق التصدي للهجمات الصهيونية، في ظل مواجهة مختلة مع دولة مدججة بأحدث أنواع التكنولوجيا، وقد فعل ذلك وسجّل تاريخا بالغ الأهمية.
سؤال سلاح المقاومة سيكون الأهم في اليوم التالي للاتفاق إذا مرّ بالفعل، وقبله بالطبع ما يتعلق بمصير الموظفين الذي دخلوا الخدمة بعد الحسم العسكري، وإن بدا أن رعاة الاتفاق قد يوفروا حلا لهذه المشكلة ذات الطابع المالي. أما الانتخابات فهي مشكلة أخرى، وعين عباس على كسبها بأي طريقة آ، في حين تعيش حماس في الضفة وضعا بالغ الصعوبة، رغم أن جماهيريتها قد تتفوق على فرعها في القطاع الذي اشتبك مع كثيرين منذ 2007 ولغاية الآن.
اللافت في القضية هنا هو دخول الروس على خط الاتفاق، وهو أمر يفسّره الصهاينة بأنه جزء من منح موسكو فرصة تحجيم إيران في سوريا، وربما فرض استحقاقات جديدة تتعلق بها وبحزب الله.
ليس هذا تزكية لإيران، فهي بمواجهتها الإجرامية لثورة الشعب السوري كانت السبب الأهم في ضرب الربيع العربي، ووضع الحب صافيا في طاحونة الصهاينة، لكن الأخيرون يعملون بخطوط متوازية من أجل دفن فكرة المقاومة في المنطقة، أيا تكن هويتها، وهم يأملون في تحقيق ما عجزوا عنه بعد أوسلو، وبعد الغزو الأمريكي للعراق، وما دعمهم الآن للانفصال الكردي سوى جزء من هذه الترتيبات.
هي معادلة بالغة التعقيد والتركيب، لكن هدفها الأكبر واضح كل الوضوح، ممثلا في “الحل الإقليمي”، كمقدمة لتصفية القضية، وهنا يمكن لفتح وحماس أن تتوافقا على رفضه، وإذا حصل فسيكون ذلك أفضل نتائج الاتفاق، بدعم من بعض القوى في المنطقة.
يبقى القول إن ما يريده الغزاة ليس قدرا بحال، ومعارك المنطقة، ومعها تفاعلات المشهد الدولي لم تضع أوزارها بعد، ويمكن أن تحدث مفاجآت جديدة، لكن التعويل الأكبر سيبقى على الشعب الفلسطيني الذي يمكن أن ينتفض في مواجهة تصفية قضيته، وقد يعيد تصحيح البوصلة في المنطقة برمتها.
الدستور