مدار الساعة - بسام بدارين - تقرأ النخبة الأردنية الوقائع الجديدة في المنطقة ببطء وحيرة واستغراب، لكنها تتفاعل ما تيسر لها مع المنتج الجيوسياسي الجديد الذي يقدمه للجميع اليوم ما يسمى حتى بالدوائر المغلقة بـ « القدر الروسي».
في قياسات سياسيين خبراء من بينهم طاهر المصري وعدنان أبو عوده وغيرهما «المتغير» الإقليمي والدولي أصبح العنصر الثابت ولا بد أردنياً من الاحتياط له ببرنامج أولويات وطني مؤهل.
عبارة «القدر الروسي» هي العنصر المشترك في غالبية نقاشات الأردنيين العميقة هذه الأيام، خصوصًا بعد استقبال سيرغي لافروف المثير في عمّان ووجود جهاز استشاري أمني متكامل يمثل موسكو في صلب الاتصالات الأردنية.
ويقر حتى معارضون سياسيون من بينهم الشيخ زكي بني إرشيد بأن المتغير الروسي يفرض بصماته بعمق وقوة وبصورة غير مسبوقة في معادلة المنطقة والأردنيين، الأمر الذي يدفع وزير الخارجية أيمن الصفدي للتصريح بأن قنوات الاتصال مع روسيا نشطة ومتفاعلة خلافاً للقنوات مع النظام السوري.
بسبب معادلة هذا المتغير تتفاعل عمّان بريبة وبطء مع محاولات التفاهم المباشر مع إيران ويزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأردن بعد ستة أيام فقط من توجيه دعوة ملِكِية له ويستخدم صفة «أخي الملك عبد الله» لتبرير هذه الزيارة لمجموعة مستشاريه وهي بكل حال زيارة حظيت أصلاً وأيضاً بـ «رافعة روسية».
وصلت مجاملات أردوغان للأردن إلى حد التبني الكامل ومن دون نقاش للبيان الرسمي الصادر عن لقاء الملك والرئيس التركي بالصيغة التي اقترحها الطاقم الأردني لا طاقم الضيف.
الجديد تمامًا في المسألة أن التفاعل التركي الأردني الشهر الماضي تبين اليوم أنه «وصفة روسية» لأن موسكو هي التي تريد أن تلعب اليوم في الملف السوري دور «توحيد الجبهات» شمالًا وجنوبًا، لكن على أساس سيناريو خفض التوتر لا على الطريقة الأمريكية.
الأهم أن رئيس الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات يستقبل مباشرة ــ بعد مغادرة أردوغان عمّان ــ السفير التركي ثم يترأس وفداً عسكرياً رفيع المستوى يزور أنقرة لبحث تعميق العلاقات أكثر، حتى في المجال الأمني والعسكري.
الجنرال في أنقرة في حالة تشاور مع وزارة الدفاع التركية.. نبأ جديد في خريطة الأردنيين وبوصلتهم السياسية لا يمكنه الولادة من دون المظلة الروسية التي تخطف الأضواء.
ولا ينتج أصلاً إلا بعد قطيعة أعمق مما ينبغي، يواجهّها الأردنيون مع حلفائهم في الإمارات والسعودية الذين يقومون الآن بدورهم بالتواصل مع إسرائيل بشكل مباشر ومنفرد ومن دون الحاجة للقناة الأردنية وهو أيضاً وضع استراتيجي جديد لغرفة عمّان التي تبحث عن إجابات عن تساؤلات معلقة وعميقة.
يقدر الخبراء بأن خطر الإرهاب الداعشي بعد ترتيبات خفض التوتر جنوب سوريا بين عمّان وموسكو لم يعد قائماً بنسبة كبيرة، لكن الملك عبدالله الثاني فاجأ الجميع برأي مخالف مؤخرًا، عندما حذّر من أن داعش وهو يهرب من وطأة المعارك قد يفكر بملاذ جنوباً باتجاه بلاده.
قد لا يبدو الخطر وشيكاً وثقيلاً، لكن الاحتياط واجب والمعركة لم تسدل ستارتها بعد.. على الأقل هذا مضمون رسالة الملك بخصوص داعش مؤخراً.
والخبراء أنفسهم يتحدثون عن حسم واضح للمعركة بنسبة 80% على الأقل لمصلحة ما سمّاه الأردن يوماً – محذراً – بالهلال الشيعي الذي يتحقق في الواقع الآن بحضور إيراني مباشر في العمق السوري والعراقي وعبر حزب الله إلى سيناريوهات شمال إسرائيل.
في أعمق أقنية القرار يقول الأردنيون «.. من لا تستطيع مقاومته.. لا تعادِه بل إلعب معه» ولافروف ألمح في عمّان إلى عدم وجود مبرر لمخاوف الهلال الشيعي لأنه اليوم هلال شيعي بنكهة الكرملين.
هنا أيضاً مطب استراتيجي جديد تماماً على القراءة الأردنية ومقاربة تقول بأن الهلال الشيعي وفي الربع ساعة الأخير اقترب من الأحضان وتحول إلى واقع لا بد من التعامل معه وفقاً لقواعد حكومة أردوغان التركية التي تتصرف مع إيران على أساس قاعدة بسيطة .. «طهران كالزوجة .. شر لا بد منه».
وهي مقولة ردّدها أمام («القدس العربي») مباشرة مسؤول تركي بارز كان منشغلاً بالتحضير لاستقبال أردوغان.
ولم تكن مثل هذه المقولة يمكن أن تجد أذناً صاغية في مركز القرار الأردني لولا ان انتبه لها مبكراً وقبل عام ونصف العام استراتيجي كبير من وزن الرئيس عبد الكريم الكباريتي، وفي لقاءات مغلقة عدةعندما اعتبر أن إيران اليوم «جار حُكمًا» في العراق وسوريا ولا بد من التفاعل معها وفقاً للمصالح الوطنية الأردنية.
الأردن محتار، ويبحث اليوم عن طريقة للتحدث مع الزوجة المتجبرة الجديدة باسم الإيرانيين والتخلص من تراثيات التحذير من الشيعة والوقوف ضد إيران لمصلحة الحليف السعودي لم يعد مسألة مريحة أو مهمة ميسورة ببساطة حيث إن القدر الروسي هنا يلعب بالجميع والمحور الذي يحسم ويفوز في الربع الأخير من ساعة الحسم الكامل ما لم تحصل بطبيعة الحال مفاجآت من وزن ثقيل.
القدس العربي