مدار الساعة - كتب .. سيف الله حسين الرواشدة
لمّا تكون صناديق الإقتراع هي وسيلة الشّخوص إلى مواقع السّلطة تضمن الأولى وضع المؤسّسات المنتخبة في إطار خدمة الشّعب، فهو من اختارهم و من سيقرر مصير بقائهم، حسب جودة الخدمة المقدمة و نتائج البرامج المقترحة سابقًا، لكنّ الواقع يخالف هذا تمامًا فالانتخاب لا يتمّ على أساس برامج الخدمة أو الخطط المدروسة، إنّما يكون حسب خلفيّات و توجهاتٍ سياسيّة أو دينية أو عائليّة تغلب العصبيّة عليها جميعًا.
و تبعًا لهذا تكون من أوّل المنجزات مغازلة مسبّبات النّجاح و الشواهد هنا كثيرة و طيفها متسع يمتدّ من اللّوحات الآنفة إلى تعيين أولي القُربى و محاباة الخلان و قد يتسع هذا الطّيف لكل الأفعال إلا العمل وفق برنامج واضح أو خطةٍ مدروسة، ما دام ذلك ليسَ من أسباب النجاح و لا طالعه.
و إذا أنتَ أشرت بالنّقد لأحدهم جوبهت بدفاعٍ صلب من الشّخوص و مريديهم و لحقتك تهم محاربة الدّين أو التّخلف أو الانبطاح للغرب، أو اضطهاد فئةٍ على حساب أختها، و التّصيّد في العكر من الماء. و هذا يوقدنا إلى عقليّة ( النّاخب الأردني ) بكل توجهاته، و لا يهمّنا توصيف الحالة فقط فهي واضحةٌ للعيان، فأنتَ قد تصوّت لابن عائلتك أو مكوّنك الاجتماعي عصبيّة، أو لمرشّح جماعتك و حزبك نصرةً عصبيةً أيضًأ، أو نصرةً للإسلام مثلًا! إلا من رحم ربي طبعًا، لكن ما يهمّنا هي مسبّبات هذا الحال و محرّكات وجوده؟
إنّ الصّورة القياسيّة لأي مجتمع و مكوّنات الدولة المنتخبة تختصر بأنّ المجتمع هو المراقب العام لهذه المكوّنات، التي يثق بها لخدمة مصالحه فيكون الإنصياع لقوانينها شرفٌ يصبّ في المصلحة الخاصّة و العامّة في نهاية المطاف، أمّا الأدوات المنتخبة فغايتها هي خدمة العامّة و حيازة رضى الجمهور العام. و يكون اختلاف الأحزاب و الشّخوص هنا في طبيعة الوسيلة لا الغاية بين أطياف اليمين و اليسار، أمّا الغاية فهي واحدة ( مصلحة الوطن والمواطن ) و بهذا يكون للمجتمع و الحكومة بمكوّناتهما ضمير واحد.
أمّا نحن فللأسف ابتُلينا بانفصامٍ متعدّد للضّمير، فللحكومة و المجالس المنتخبة ( من مجلس النّواب إلى البلديات ) ضمير غريب عن المجتمع لا ثقة بينهم ( إلا من رحم ربّي ) و لكلّ جماعة من الأردنيين ضميرٌ خاصٍّ أيضًا، فاتّباع أيّ مجموعة لديهم ضميرهم الذي يدافع عن مصلحتهم هم فقط بكلّ شراسة، ضد أيّ نقد حتّى عند حدوث الخطأ أو التّقصير، و اتّهامٍ آخر بالخيانة أو الكفر أو أيّ تهمةٍ تناسب أُطرهم الفكريّة (و اختلاف هذه المرجعيّات الفكريّة و الأمراض العضال التي تعاني منها مقام عظيم لا متسع له هنا ) .
و لهذا قد يحصل أن تكون من أوّل مشاريع أو مبادرات بلديّة ما ادعى رئيسها نكبتها و بلوغ مديونتها حالي 30 مليون دينار و تلف البطالة المقنّعة فيها حوالي 2000 موظّف من أصل 3500 و الخدمات فيها شبه معدومةٍ، لوحات تحمل أسماء الله تعالى تعلّق على أعمدة الكهرباء، وهي ستنالُ مديح و رضى من يلعن الشّوارع و الحاويات و البلديّات كلّ حين، و بكل بساطة لأنّنا اختصرنا البرامج و الخطط المدروسة في تلك اللوحات، و كانت الأصوات في الصّناديق لتلك اللّوحات، إذا لابدّ للّوحات من أن تعلّق في أقرب فرصةٍ و لا مكان لغيرها في ضمائرنا الكثيرة .
ختامًا أرجو أن أشهد يومًا يكون ضمير الأردنيين فيه موحّد القبلة في محراب مصلحة الوطن و المواطن، و أن تعود الثّقة بين مكوّنات بلدنا، وأ نا أظنّ أنّ مفتاح الحلّ قد يكون في دراسة الإنسان الأردني و عقليته دراسةً اجتماعية حتى نتمكّن من توصيف حالتنا و حذق أسبابها و تطوّرها بعيدًا عن الأفكار و الأوصاف المطلقة و المجرّدة التي لا مكان لها في الواقع و خطاب الوعّاظ و القصّاص غير ذي المنفعة، قد يساعدنا هذا في إبراز هويّة أردنيّة محدّدة المعالم تجعنا و نخبًا و أطيافنا السّياسيّة، و نشعر حقًا بتقاطع مصالحنا الخاصّة مع المصلحة العامة، وقتها سنخرج من ضيق اللوحات و الإنتماءات الفرعيّة إلى رحابة الوطن الذي يحملنا و لا نحمله.