انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

اللوحات وضمائر الأردنيين

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/07 الساعة 13:39
حجم الخط

مدار الساعة - كتب .. سيف الله حسين الرواشدة

سبحان الله عمّا يصفون و يفعلون، و سبحان الله أيضًا كيف يكون من أول مشاريع بلديّة منكوبةٍ بكلّ آفات الطّرق و نقص الخدمة العامة و مرافقها لوحاتٍ تحمل أسماء العليّ القدير معلّقةً على أعمدة الكهرباء لا ندري على نفقة من، و نعلم يقينًا مصارف خيرًا له و لنا. و صاحب الفكرة هنا على أحد أمرين، إمّا أنّه بسيط التفكير عقله محدد بصورة تراث منقوصة ( شيوخ البركة ) فاختلطت عليه الأولويّات السماويّة و الوضعيّة، أو أنّه يقصد بفعله مغازلة مشاعر النّاس و اللعب على أوتار العاطفة التي قد تكون هي لا برنامج عمله من حمله إلى كرسيه، و هذا يحملنا إلى مربط الفرس فليس تعليق اللّوحات محطّ النّقاش هنا، فهو على ألطف النّعوت فعلٌ لا مسؤول فالله غنيٌّ عن هذا و نحن فقراء إلى الطّريق السّليمة و المرافق الخدميّة و التّنظيم السّليم، لكن ما نريده هنا هو لماذا وقع هذا الفعل بالذّات.

لمّا تكون صناديق الإقتراع هي وسيلة الشّخوص إلى مواقع السّلطة تضمن الأولى وضع المؤسّسات المنتخبة في إطار خدمة الشّعب، فهو من اختارهم و من سيقرر مصير بقائهم، حسب جودة الخدمة المقدمة و نتائج البرامج المقترحة سابقًا، لكنّ الواقع يخالف هذا تمامًا فالانتخاب لا يتمّ على أساس برامج الخدمة أو الخطط المدروسة، إنّما يكون حسب خلفيّات و توجهاتٍ سياسيّة أو دينية أو عائليّة تغلب العصبيّة عليها جميعًا.

و تبعًا لهذا تكون من أوّل المنجزات مغازلة مسبّبات النّجاح و الشواهد هنا كثيرة و طيفها متسع يمتدّ من اللّوحات الآنفة إلى تعيين أولي القُربى و محاباة الخلان و قد يتسع هذا الطّيف لكل الأفعال إلا العمل وفق برنامج واضح أو خطةٍ مدروسة، ما دام ذلك ليسَ من أسباب النجاح و لا طالعه.

و إذا أنتَ أشرت بالنّقد لأحدهم جوبهت بدفاعٍ صلب من الشّخوص و مريديهم و لحقتك تهم محاربة الدّين أو التّخلف أو الانبطاح للغرب، أو اضطهاد فئةٍ على حساب أختها، و التّصيّد في العكر من الماء. و هذا يوقدنا إلى عقليّة ( النّاخب الأردني ) بكل توجهاته، و لا يهمّنا توصيف الحالة فقط فهي واضحةٌ للعيان، فأنتَ قد تصوّت لابن عائلتك أو مكوّنك الاجتماعي عصبيّة، أو لمرشّح جماعتك و حزبك نصرةً عصبيةً أيضًأ، أو نصرةً للإسلام مثلًا! إلا من رحم ربي طبعًا، لكن ما يهمّنا هي مسبّبات هذا الحال و محرّكات وجوده؟

إنّ الصّورة القياسيّة لأي مجتمع و مكوّنات الدولة المنتخبة تختصر بأنّ المجتمع هو المراقب العام لهذه المكوّنات، التي يثق بها لخدمة مصالحه فيكون الإنصياع لقوانينها شرفٌ يصبّ في المصلحة الخاصّة و العامّة في نهاية المطاف، أمّا الأدوات المنتخبة فغايتها هي خدمة العامّة و حيازة رضى الجمهور العام. و يكون اختلاف الأحزاب و الشّخوص هنا في طبيعة الوسيلة لا الغاية بين أطياف اليمين و اليسار، أمّا الغاية فهي واحدة ( مصلحة الوطن والمواطن ) و بهذا يكون للمجتمع و الحكومة بمكوّناتهما ضمير واحد.

أمّا نحن فللأسف ابتُلينا بانفصامٍ متعدّد للضّمير، فللحكومة و المجالس المنتخبة ( من مجلس النّواب إلى البلديات ) ضمير غريب عن المجتمع لا ثقة بينهم ( إلا من رحم ربّي ) و لكلّ جماعة من الأردنيين ضميرٌ خاصٍّ أيضًا، فاتّباع أيّ مجموعة لديهم ضميرهم الذي يدافع عن مصلحتهم هم فقط بكلّ شراسة، ضد أيّ نقد حتّى عند حدوث الخطأ أو التّقصير، و اتّهامٍ آخر بالخيانة أو الكفر أو أيّ تهمةٍ تناسب أُطرهم الفكريّة (و اختلاف هذه المرجعيّات الفكريّة و الأمراض العضال التي تعاني منها مقام عظيم لا متسع له هنا ) .

و لهذا قد يحصل أن تكون من أوّل مشاريع أو مبادرات بلديّة ما ادعى رئيسها نكبتها و بلوغ مديونتها حالي 30 مليون دينار و تلف البطالة المقنّعة فيها حوالي 2000 موظّف من أصل 3500 و الخدمات فيها شبه معدومةٍ، لوحات تحمل أسماء الله تعالى تعلّق على أعمدة الكهرباء، وهي ستنالُ مديح و رضى من يلعن الشّوارع و الحاويات و البلديّات كلّ حين، و بكل بساطة لأنّنا اختصرنا البرامج و الخطط المدروسة في تلك اللوحات، و كانت الأصوات في الصّناديق لتلك اللّوحات، إذا لابدّ للّوحات من أن تعلّق في أقرب فرصةٍ و لا مكان لغيرها في ضمائرنا الكثيرة .

ختامًا أرجو أن أشهد يومًا يكون ضمير الأردنيين فيه موحّد القبلة في محراب مصلحة الوطن و المواطن، و أن تعود الثّقة بين مكوّنات بلدنا، وأ نا أظنّ أنّ مفتاح الحلّ قد يكون في دراسة الإنسان الأردني و عقليته دراسةً اجتماعية حتى نتمكّن من توصيف حالتنا و حذق أسبابها و تطوّرها بعيدًا عن الأفكار و الأوصاف المطلقة و المجرّدة التي لا مكان لها في الواقع و خطاب الوعّاظ و القصّاص غير ذي المنفعة، قد يساعدنا هذا في إبراز هويّة أردنيّة محدّدة المعالم تجعنا و نخبًا و أطيافنا السّياسيّة، و نشعر حقًا بتقاطع مصالحنا الخاصّة مع المصلحة العامة، وقتها سنخرج من ضيق اللوحات و الإنتماءات الفرعيّة إلى رحابة الوطن الذي يحملنا و لا نحمله.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/07 الساعة 13:39