أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

جمال


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

جمال

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
مات جمال الشوابكة, وأنا لا أحب أن أرثيه في إطار التسميات الرسمية: الفريق الركن, العين, الشيخ...الخ, ولكني سأرثيه بطريقتي ساقول عنه: مات الجندي الأسمر الذي كان وجهه أصدق تعبير عن هوية البلد والناس.
أنا أعرفه جيدا, ياما تحدثنا عن حياته في اليمن. وقد شرح لي التفاصيل كلها, هو لم يذهب هناك في إطار المشورة أو الجلوس خلف مكتب ضخم, بل كان يخطط للعمليات..ويؤسس مداميك العسكرية الرصينة الصلبة, وأعرفه حين كان في القوات الخاصة... هو الوحيد الذي يرمي بالحدس, جمال لم يكن يحتاج لأن يضع عينه على استقامة السبطانة ويسدد.. كان يرمي بحدسه ويصيب الهدف.. وهو الذي اصطحبني معه ذات مرة لميدان الرماية, وأخبرني تفاصيلها وعلمني أن أقول (بسم الله) قبل كل طلقة.
حين يغادر الجنود, نستذكر علاقتنا بهم.. نحكي عن التفاصيل والحكايا العذبة بيننا وبينهم, ولكن هذا الرجل كان ملفا كاملا مليئا بالإنجازات... كان ملف التحام, هو لم يكن ضابطا عاديا بل شارك في اقتحامات وخطط لعمليات وغادر خارج الحدود.. هل تذكرون قصة سحاب والمجموعة الإرهابية والصورة الشهيرة له وهو يحمل أحد الإرهابيين على كتفه منتصف التسعينات, جمال كان يومها بين النار والنار...ويومها نشرت كبريات الصحف الصورة, نشرت عن الرجل الذي اقتحم ولم يحسب حساب الرصاص, لأن حسابات الأردن كانت أكبر وأهم.
ستبقى من نجوم العسكرية الأردنية, وستبقى الأردني الأسمر الذي عشقته البندقية, ولهجتك البدوية ما زال صداها يتردد في كتيبة ال(71)...وأنت تتحدث للجنود وتخبرهم عن معاني الصبر, وأسرار الصمود...وستبقى الزاهد النقي الذي عاش العمر راضيا, وتحمل البلوى بصبر لا يقوى عليه إلا الكبار...
أنا لا أرثيك, فلدي منك بندقية قديمة..اهديتني إياها, ذات صباح في مقر قيادة العمليات الخاصة.. وطلبت من سائق (الروفر) أن يعود بي للمنزل وأنا أحملها, ما زالت موجودة لدي.. وما زال اسمك موجود عليها وقد وثقت بالكتابة أنها هدية من قائد العمليات... هل تموت البنادق يا جمال؟..كلا البنادق لا تموت فلها ورثة..وتأكد أن الجيل الذي تربى على يديك في العمليات الخاصة, سيحملون إرثك... وسيحملون بعضا من شكيمتك وعزمك, وبالطبع سيطلقون اسمك على ميدان من ميادينهم.. وصورتك ستبقى معلقة على الحائط تذكر الجيل الجديد من أولادنا.. أن هذه المؤسسة عبر منها أحلى فتيتنا وأنبل الضباط..وكان اسمه جمال.
نم قرير العين... وسنبقى نذكر اسمك كلما تحدثنا عن الزنود التي جبلت من الصخر, سنبقى نذكر سمرتك ولهجتك كلما مر طيف الهوية, سنبقى نخبر الناس.. بأن جمال الشوابكة كان أحلى رجالاتنا وأنبل من حمل الرتبة... والأسمر الذي عبر وجهه عن تاريخ البلد, لابل عبر عن العروبة حين نفتقد العروبة...
رحمك الله يا صديقي.
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ