كيف ينجح المسؤول بالإدارة العامة، سواء أكان وزيرا أو مديرا عاما، أو حتى رئيس قسم؟ الإجابات قد تنصرف إلى مواصفات عديدة، الكفاءة مثلا، أو الإتقان والإخلاص، أو الشجاعة والجرأة عند اتخاذ القرار، وغيرها، لكن، بحكم التجربة، مفتاح السر لنجاح المسؤول في الادارة، هو القيادة الحكيمة، أقصد العمل بروح الفريق الواحد، بعيدا عن الشللية، والفرز الوظيفي الذي يوزع الموظفين بين شلّة المسؤول وعصبته، وبين آخرين مُهْملين، او مغضوب عليهم.
أعرف أن ضحايا الشللية الإدارية التي ينتهجها بعض المسؤولين في مؤسساتنا اكثر من أن يُعدّوا، وأنهم مخنوقون، لدرجة أننا لا نسمع أصواتهم، أعرف، أيضا، أن الكثيرين من أصحاب الكفاءات جرى الانتقام منهم، بذريعة انهم محسوبون على إدارات سابقة، حيث تزدهر فكرة تصفية الحسابات بين الإدارات المتعاقبة، اعرفك، ثالثا، أن مجموعة من الموظفين جاهزة باستمرار للالتفاف حول أي مسؤول جديد، وقادرة، أيضا على انتزاع ثقته وحظوته، وما يلحقها من امتيازات، مهمتها أن تضرب وتكسب ثم تهرب، دون أي اعتبار لمصلحة عمل، أو إخلاص لمسؤول.
إذا أردت أن تعرف سر الفشل بالإدارة، في بعض المؤسسات، «فتش» عن الشللية، فأي مسؤول يقع في هذا «الفخ» سيتحول إلى «ريموت» يتحرك بما يسمعه من معلومات ونصائح، غالبا لا تكون صحيحة، والأسوأ حين يتحرك بمنطق الانتقام ضد أي موظف يغرد خارج سرب الشلّة، التهمة دائمًا جاهزة «هذا من جماعة المسؤول السابق»، وهي تكفي لإنزال اقسى العقوبات به، أو تجميده عن العمل، أو حرمانه من امتيازاته، أو إحالته لمكتب بالطابق السفلي، تمهيدا لإنهاء خدماته.
في مجتمع الشللية تنتشر الوشايات والافتراءات، وتحتدم المعارك بين الموظفين، وتتحول الكفاءة إلى تهمة، والإبداع إلى نقمة، ويصبح التقييم على أساس ما يمتلكه الموظف من مواهب النفاق، وبالتالي يتراجع الأداء، و معه الانتماء المؤسسي، ويتمدد الفساد الإداري ويزدهر، وينتشر الإحباط بين الموظفين، و تبدأ الكفاءات بالانسحاب، ثم تتحول الادارة إلى سلطة عمياء، لا ترى ولا تسمع، ولا تنجز أيضا.
بمناسبة الحديث عن تحديث القطاع العام، يمكن أن نفكر جديا للخروج من هذه «النازلة» التي أصابت الإدارة العامة في بلدينا، الحل يبدأ باختيار القيادات للوظائف العليا، و اقترح أن نضيف بندا جديدا للتعيين، وهو «الفحص النفسي»، ثم إيجاد آلية شفافة لمراقبة أداء الإدارات، وتقويمها، ثم اعتماد أخلاقيات أداء الوظيفة العامة معيارا عند التعيين والتمديد والترقية و إنهاء الخدمات، لا بأس أن يكون لدينا مفتش عام في كل مؤسسة و إدارة، يتولى مهمة مراقبة الاداء، بشرط أن يكون من هيئة مستقلة، أكيد لدى غيري من المتخصصين اقتراحات أفضل، المهم أن تتحرر الإدارة العامة من هذه الإصابات التي طرأت عليها، وأفسدت ما تقوم به من واجبات، وما تقدمه من خدمات.
رجاء لكل مسؤول في بلدنا، مهما كان موقعه، أغلق بابك أمام الشلل الانتهازية التي تتزاحم لصيد الفرص والمغانم، اغلق آذانك أمام الوشايات التي أصبحت «صنعة المشائين» لتحقيق أحلامهم من خلال الانتقام من زملائهم، اغلق دفاترك وحساباتك أمام التصنيفات التي تسمعها، لفرز الموظفين على مساطر الوطنية أو الولاءاتية، أو غيرهما مما لا علاقة له بالكفاءة أو الإنجاز، اغلق نوافذك امام ما يتطاير من أخبار عن مؤامرات تُحاك ضدك من محسوبين على الإدارات التي سبقتك، فهي مجرد فزاعات لتخويفك، وسلالم لفرض الوصاية عليك، وقبل ذلك كله لا تنس دائما مخافة الله، وأمانة المسؤولية، والعمل للصالح العام، مهما كانت الظروف والضغوطات.