في لقاء جمعنا مع السيد أيمن عودة، الفلسطيني عضو الكنيست الإسرائيلي، قدم الرجل قراءة عميقة للمشهد الإسرائيلي الراهن بما له وما عليه، معتبرا أن ما يحدث تاريخي بكل المعايير يشكل حالة غير مسبوقة من الاحتدام والتنافس بين اليمين الإسرائيلي السياسي الديني، وبين اليسار الحاكم فعليا من خلال الدولة العميقة منذ بن غوريون. اليسار والاشكناز شكلوا فعليا الدولة العميقة في إسرائيل وأوقفوها عن التحول لدولة دينية قاوموا ذلك، وما يحدث الان صراع يريد اليمين فيه أن يغير قواعد اللعبة ويدخل في عمق الدولة من خلال التعديلات القضائية. أفاق ذلك الدولة العميقة ومؤسساتها، واستنفرت القوى المختلفة، ما جعل اليسار يستيقظ من سباته العميق. أبرز المؤشرات على عمق هذا التفاعل أنه و في ظل قرار المحكمة المرتقب في 12 أيلول القادم حول قانونية ما فعلته الحكومة من تعديلات قضائية على المحكمة العليا ودورها، وفي ضوء عدم التزام حكومة نتنياهو بأنها ستنفذ القرار، نجد قادة الجيش العسكريين والأمنيين يقولون بوضوح أنهم سوف ينفذون قرار المحكمة حتى لو رفضته الحكومة. لذلك فكافة الأعين تترقب ما ستقوله المحكمة في 12 أيلول القادم، وما ستقدمه من مطالعة ومرافعة قانونية، وما هي انعكاسات ذلك على المشهد السياسي، والتوقعات بمسيرات مليونية لكي تضع المحكمة ضمن أجواء تجعلها تميل الى الهدوء العام وتجنيب إسرائيل المواجهات الداخلية ضمن الفهم أن القاضي لا يعيش بمعزل عن محيطه. كل ذلك يشير إلى أن ما يحدث تاريخي بكل المقاييس سيكون له تأثير هائل على إسرائيل ومستقبلها وتعاطي العالم معها.
الفلسطينيون من سكان ومواطني إسرائيل لا يشاركون للآن بكثافة في المسيرات المناوئة للحكومة ومقترحاتها القضائية، رغم أن أيمن عودة ذاته يشارك، وهذا له أبعاده السياسية المعقدة فربما مشاركة الفلسطينيين في الداخل ستقوي الحكومة وتقلل زخم المسيرات، ولكن في المحصلة، فإن الواقع يقول إن غالبية العرب الفلسطينيين لا يشعرون أنهم على تماس مباشر بما يحدث وغير معنيين به رغم تاريخيته. هنا يقدم أيمن عودة مرافعة حول قوة الوجود والتأثير الفلسطيني على المشهد السياسي والانتخابي الإسرائيلي، مؤكدا أن حجم %20 من السكان إذا ما استثمر بشكل صحيح، واذا ما كانت نسبة التصويت عالية، فإن تأثير هذه النسبة من السكان ستكون كبيرة ومهولة تجعل كل الأحزاب تخطب ودها. التاريخ المعاصر شاهد على ذلك عندما تم استنفار القوة التصويتية للفلسطينيين داخل إسرائيل وحصلوا على 15 مقعدا في الكنيست ما أكسبهم قوة تأثير كبيرة، وهذا أدى من ضمن عوامل أخرى لتشهد إسرائيل سلسلة انتخابات بسبب عدم القدرة على الإتيان بأغلبية برلمانية مستقرة. الخلاصة أن ثمة قوة كامنة كبيرة للفلسطينيين داخل إسرائيل يجب استثمارها ضمن قواعد العمل السياسي المعمول بها في إسرائيل، وهذه القوة كبيرة ومؤثرة ويجب أن يقتنع أصحابها بذلك.
الفلسطينيون داخل إسرائيل وقياداتهم السياسية من أكفأ النخب السياسية على الإطلاق، يدركون تحدياتهم ويخوضون معركة الهوية والقضية بشرف وبإصرار، وعندما تستمع لهم تدرك أن الحق سيعلو ولا يعلى عليه.