أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

«الخلايلة» يفجر أسئلة العالم «السفلي»… وبلطجية الأردن

مدار الساعة,أسرار أردنية,مجلس النواب
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب : بسام بدارين (مدير مكتب القدس العربي في الاردن)

تحول الفتى الأردني المغدور فادي الخلايلة إلى أيقونة شعبية تصدم المجتمع والدولة بالحقيقة المؤلمة التي طالما تم إنكارها أو تجاهلها أو المبالغة في التخفيف من تأثيرها.

صحيح أن جريمة قتل هذا الفتى الشاب اتجهت بعد ردود الأفعال على مناطق حساسة جدا في المجتمع الأردني.

لكن هذه الاتجاهات السبب الأساس فيها البلطجي المجرم ورفاقه في عصابة مسلحة.

بدأت القصة مع بلطجي قاتل يعتدي أولا بالضرب على زوج شقيقة الشاب المغدور وهذا حادث يتكرر في المجتمع الأردني عندما يمتطي غرور الزعران والبلطجية موجة القوة والاستعراض ويستهدفون الزوار والمقيمين والضيوف من جنسيات غير أردنية.

القاتل هنا لم يقف عند محطة الاعتداء على الزوج وهو من جنسية عربية.. ترصد المرأة في الشارع العام وهي تمشي برفقة أحد أولادها فألقى عليها كمية من ماء النار لإحراقها، فأصيبت السيدة فورا مع ولدها.

تلك منطقة محرمة في وجدان الشارع الأردني، حتى على الزعران والبلطجية، فالاعتداء على امرأة في الشارع جريمة مضاعفة، لا يمكن غفرانها وتعكس قباحة غرور القوة الذي وصلت إليه ظاهرة البلطجة في الأردن.

الشقيق المغدور لم يستطع كبت مشاعره فتحرك للدفاع عن شقيقته وهو سلوك إنساني محض، لا يمكن انتقاده في الذهنية الأردنية الجمعية.

هنا حصل المحظور الثاني فقد قتل البلطجي، وهو رئيس عصابة كما تبين لاحقا، الشاب الذي حضر لزجر الاعتداء على عائلته وببشاعة.

أحاط أفراد العصابة بالشاب وضربوه وقطعوا يده بسكين حاد وعندما ترنح على الأرض أطلقوا عليه رصاصات عدة.

أغلب التقدير أن القتلة هنا كانوا مخمورين أو يتعاطون الحشيش وهذا وارد ويراه سكان الأحياء الشعبية كلهم، حتى في المدن الكبيرة في الأردن.

مستوى الجريمة بتفاصيلها كلها بشع جدا، لكن الضحية الأيقونة خدم الأردنيين ودفع حياته ثمنا لهذه الخدمة عندما استيقظ المجتمع ومعه الدولة على ظاهرة البلطجة اليوم.

يبدو أن الظاهرة أكبر بكثير مما توقعه الجميع، فالحديث هنا عن عصابات منظمة تملك قوة ردع وتشبيح، ولديها صلات ببعضها بعضا، وتتقاسم مناطق النفوذ في ظاهرة نمت وترعرعت وسط تقصير أمني واضح لم يعد السكوت عليه مفيدا أو منتجا.

ما يحصل في عالم البلطجية والزعران اصبح معروفا، وسبق أن حذرت وغيري من السكوت المريب عن هذا العالم السفلي، وأيضا وهذا الأهم من الاستثمار الانتهازي الرخيص في بعض المكاسب التي تنتج عن إقامة علاقة مشوهة في بعض الأزقة بين موظفين رسميين وبلطجية لا ينتمون إلى أية فكرة ولا هوية لهم ويثيرون الرعب في كل أوصال المجتمع.

الظاهرة أصبحت أكبر بكثير من التورط في خطيئة الصمت عنها أو التواطؤ والإنكار وعناصر هذه الشبكات من البلطجية لديهم صلات هنا وهناك، وشبكات وتقاليد وأعراف وتقنيات اتصال وبيوت آمنة وقوانين وأنظمة خاصة بهم وملاذات يضربون ويهربون إليها… ليس سرا أن السلطات الأمنية تعرف ذلك جيدا.

ظاهرة البلطجة في الأردن أصبحت ورمًا سرطانيًا خبيثا لا يستهدف أمن المجتمع فقط، بل يفتك بهيبة الدولة والمؤسسات الأمنية وأي حديث عن هذا الورم باعتباره موضوعا إجرائيا أو فنيا أو قانونيا فقط قد يكون اليوم شكلا إضافيا ومستجدا من أنماط التواطؤ وإنكار الواقع.

الأزمة سياسية اليوم بامتياز، ووطنية أيضا، والظاهرة تحولت إلى مركز قوة وثقل كبيرين في المجتمع، يدير امبراطورية من الابتزاز المالي ومصالح البزنس والخدمات البديلة والصمت الرسمي والحكومي مقلق لأن ما حصل مؤخرا أخطر بكثير مما يتوقعه الكثيرون، فقد توحد هذا العالم السفلي في عمق المجتمع وارتبط بقسم شرف ويبيع ويؤجر مناطق النفوذ.

بمعنى آخر توحدت المصادر في عالم الجنايات وهي مسألة يدرك خبراء الأمن فقط مقدار خطورتها على نظام المعلومات، بما فيها حلقات الاستخبارات الجنائية.

ثمة أسباب يعرفها صناع القرار لنمو ظاهرة البلطجة حتى أصبحت معادلة تماما، ولا تقل خطورة عن خلايا الإرهاب النائمة أو قطعان الذئاب المنفردة، التي تتربص اليوم بأمن الدولة والنظام والقانون بقدر ما تتربص بأمن المجتمع.

نسمع قصصا تشيب لها الولدان حول نفوذ وقدرات عصابات البلطجة في كل مكان. ويعرف الجميع بأن غالبية كبيرة من أعضاء مجلس النواب يستخدمون البلطجية والزعران في حملات انتخاب تستقوي على الشعب والدولة، وأجهزة الحكومة خضعت في بعض الحالات المعروفة لهذا الابتزاز المقلق، حتى انتهى الأمر، وهذا أيضا لم يعد سرا لانتقال عدوى البلطجة أحيانا وفي الماضي إلى قبة البرلمان.

يقول البلطجية بوضوح اليوم لكل من يطمح بالترشح لأي انتخابات إنهم قوة فاعلة في جمع الأصوات بالعنف القسري لمصلحة المرشح الذي يدفع.

وأعرف شخصيا موظفين كبارا ورجال أعمال وشخصيات عامة لجأوا في بعض قضايا الحقوق على آخرين لاستئجار شبكات البلطجة لأن القانون لم ينصفها أو لأن دروب الدولة في استعادة الحقوق وتوفير الحماية طويلة ومضجرة.

أسمع بعض المسؤولين وهم يتهامسون في قاعدة الإمام الشافعي التراثية .. «ومن يسافه عني إذا ما تعرض لي سفيه «.

ليس سرا أيضا أن بعض الأجهزة الحكومية وجدت ضالتها في قطعان الزعران والبلطجية خلال موجات الربيع العربي، كي تتصدى للمعارضين المطالبين بالإصلاح حتى بات من استخدموا بهذه الطريقة قوة عابرة حتى ضد من استخدمهم ضد الوظيفة الرسمية.

المشكلة كبيرة ومستفحلة والمغدور فادي الخلايلة فجر فينا الأسئلة وأي إجراء في الاتجاه المعاكس ينبغي أن يكون بمستوى هذا الاستفحال.

القدس العربي

مدار الساعة ـ