مدار الساعة - وقعت القاصة والروائية سامية العطعوط أول من أمس مجموعتها القصصية "قطّة شرودنجر"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، وتضمُّ المجموعة، عشرين قصَّة موزَّعة على خمسة أبواب وهي: خشبة المسرح، سارة وغراهام، نساء على الحافة (نشوة محرَّمة) في الكتابة الموازية وقصص تسللت من دفاتر عتيقة.
شارك في الحفل الذي أقام في منتدى الرواد الكبار، وأداره الروائي والمترجم محمد ازوقة، وتحدث فيه كل من الأكاديميان د. زياد أبو لبن، د. علي المومني، وحضره جمهور من رواد المنتدى إلى جانب مديرة المنتدى هيفاء البشير التي رحبت بالحضور والمتحدثين.
قالت البشير لنلتقي في هذه الأمسية الجميلة التي يتم فيها إشهار المجموعة القصصية "قطة شرودنجر" لضيفتنا سامية القاصة المميزة التي لفتت الأنظار في كتابتها منذ أول ظهور لها في أواخر الثمانينات في مجموعتها القصصية "جدران تمتص الصوت" وتبعتها مجموعة طقوس أنثى والتي فازت بجائزة الدكتورة سعاد الصباح لتتوالى الإصدارات.
وأضافت البشير أن الفنان المميز هو الذي يصور مايجري في عصره، ويكون مرآة لهموم الناس والمجتمع وقد أستطاعت القاصة التي تتذكر طفولتها وكيف أنقلبت حياتها رأساً على عقب في مدينتها نابلس من طفولة مرفهة إلى حياة مشردة صعبة عانى فيها كل من ذاق مرارة طعم النكسة الحزيرانية وقد انعكس ذلك في كتابتها المطعمة بالمرارة والمليئة بالفواجع والاحتجاج على الظلم. وهي التي تعتبر الأدب بالنسبة لها المنقذ للإنسانية من بدائيتها التي مازالت تعشش في أعماقها ويتشارك في ذلك مع الموسيقى في إنقاذ جفاف الروح ومواجهة الموت.
الناقد د. زياد أبولبن قال إن مجموعة سامية العطعوط "قطة شرودنجر"، هي مجموعة مخصّبة بالمشاهد السريالية، وكلّ قصة تحمل مدلولاتها، في حلقات متصلة أشبه ما تكون أحداثها شريطاً سينمائياً، وقد استطاعت الكاتبة أن تخوض تجربة الكتابة المغايرة أو غير المألوفة في كسر حدّة التوقّع لدى القارئ، في كتابة سريالية تعتمد على الأخيلة والأحلام.. بجماليات اللغة وبلاغة العبارة.
ورأى أبو لبن أن للعطعوط عالم مغاير تضطلع به قصص مجموعة "قطة شرودنجر"، عالم يحتكم لوعي الكاتبة في امتلاك لغة قادرة على التعبير عن عالم حقيقي بخيال فنتازي أو أقرب ما يكون إلى السريالية، هذا العالم الممزوج بين الحقيقي والحلم والمتخيل واللامعقول، وقد استطاعت العطعوط خلق حالة شعورية تستفز القارئ في كل لحظة يقترب فيها من عوالم النص، بل جعلت من الأشياء الصغيرة عالماً قائماً بذاته، فهي مبدعة متميزة في جميع كتاباتها القصصية منذ مجموعتها الأولى "جدران تمتص الصوت"، وليس انتهاء بمجموعتها الأخيرة، فهناك ما هو جديد طالما أنها تتنفس هواء الكتابة.
وقال أبو لبن في هذه المجموعة يلحظ القارئ اشتباك لغة السرد وبلاغتها، واختزالها بأقل العبارات كي تؤدي معنى كبيراً أو عميقاً، فتطغى الصور الشعرية على النص، وتُدخلك في متاهتها، متاهة محببة لمغامرة القراءة التي توازي مغامرة الكتابة.
وتابع أبو لبن: تنشغل هذه القصص، وهي قصص قصيرة أو قصيرة جداً، في قضايا إنسانية يمور بها العالم: حروب وفقر وقتل ودمار، كما تطرح أسئلة وجودية حول الموت والحياة، كذلك كسر التابو المحرّم بين الجنسين، تابو محمّل بالمراهقة والخيانة والمَحارم، وسط هذا كلّه تبرز معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، وما يتعرض له من قتل، بل إبادة.
وخلص أبو لبن إلى أن العطعوط تلجأ بذكاء إلى أساليب متنوعة في سرد أحداث قصص مجموعتها، هذا التنوع قد جاء من تجربة غنية، ووعي لحظة الكتابة، وثقافة عالية، وقد خبرت فعل الكتابة نفسه، وأدركت أن ما يُقدّم للقارئ يجب أن يكون مغايراً للسائد ومتجاوزاً للسرديات السابقة، بل يكاد القارئ يحسّ في لحظة انفجار الحدث، كما أنه يُدرك زمن كل حدث من تلك الأحداث.
فيما رأى الناقد د. علي المومني أن القصص في هذه المجموعة متفاوتة في الأسلوب الكتابي ما بين الكتابة المغرقة في الرمزية واعتماد الشخصية المحورية، والتركيز على الموضوع المتعلق بهذه الشخصية بأسلوب درامي يكتنفه الغموض أحيانا أو يصل إلى النقطة السوداء التي ترتكز في شخصية الإنسان، ويعاني منه أشد معاناة فتعبر عنه العطعوط أحيانا ببساطة الحدث وقد تنتقل فجأة عن طريق تطور الأحداث لتصل إلى الغرائبي والعجائبي فيصاب المتلقي بالدهشة، ومحاولة تفكيك المستوى اللغوي المرتبط بالحدث للوصول إلى المضمون والمعنى والخلاصة والدوافع التي دفعت الكاتب إلى كتابة القصة أو القضية التي تلح على المبدع الحاحا تجعله ساردا لأحداثها واجزاء منها.
واعتبر المومني إن اكتمال التجربة الفنية للعطعوط جعلها تمسك بزمام السرد القصصي، وتكتب بأسلوب لافت خالٍ من الحشو، متدفق، سلس، يستطيع الكاتب خلق العديد من الأفكار وتأويل المضامين الرمزية والأسلوبية، لافتا إلى أن قصص المجموعة متمردة على الواقع والحياة، وأحيانا على التابو الجنسي والسياسي وهي قصص مخاتلة تختبئ وراء النسق اللغوي لتعبر عن تمردها وربما لو أن القاصة كانت تطلق لأفكارها العنان أكثر لوجدنا قصصا صادمة بل قد يرفضها القارئ البسيط ويحظى بها الناقد المتمرس.
فيما قالت العطعوط إن مجموعتها القصصية (قطة شرودنجر)، جاءت حسبما تعتقد مختلفة عما نشرته سابقاً، بعد سبع مجموعات قصصية، لافتة إلى أن هذه المجموعة الموجودة في صندوق بين الموت والحياة، هي تمثيل رمزي لما يحدث للفلسطينيين على الحواجز العسكرية التي تقيمها قوات الاحتلال بين مدن ومناطق الضفة الغربية، والتي تُنتج أشد أنواع المعاناة البشرية في عصرنا، وبالتحديد لمن يتنقلون عبرها يومياً. ولا يعرف الفلسطيني عندما يقترب من الحاجز هل سيعبره أم لا؟؟ هل سيُقتل ويستشهد هنا أم لا؟.
ثم تحدثت العطعوط عن هذه المجموعة التي أهدتها إلى نفسها قائلة "لقد أهديت هذا الكتاب المتمرد إلى نفسي، فالقصّة تتمرّدُ أحياناً على كاتبها. وعلى وعيه وأخلاقياته ومجتمعه، فقط للتعبير عن ذاتها بأقصى حالاتها، القصصُ هنا تتمرّد، وأنا من تتحمّل المسؤولية، رغم أنها ليست مسؤوليتي...! لستُ أنا من دعا الفقراء إلى المدينة، أو دفع جندياً إسرائيلياً للانتباه. ولست أنا من أضاع الفئران الثلاثة، أو غمرَتْ مياهُ الأمطارِ قدمَيْها فخلعت ملابسَها لتجفّ.لستُ أنا... إنها القصصُ القصيرةُ المخاتلة، التي تتمرّدُ على وعْي كاتبِها، وتأخذُهُ معها إلى أقاصٍ بعيدة، لم يحلمْ يوماً بارتيادها...! إنها القصصُ وقد تلبّستْني في الحلمِ يوماً، وأرادت التعبيرَ الفنيّ بأيّ ثمن. وحين أفقتُ، كنتُ بينَ الموتِ والحياة، وكانت قطّةُ شرودنجر تنظرُ إليّ بطرفِ خديعتها..!"، تلا ذلك قرأت العطعوط قصة من المجموعة بعنوان (ثلاثةُ فِئران) .