أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

آداب الجوار، الواقع والمأمول، وحال الإسكانات


د. عبدالكريم محمد شطناوي

آداب الجوار، الواقع والمأمول، وحال الإسكانات

مدار الساعة ـ
موضوع طرحه للنقاش ملتقى النخبة،وأتشرف بعضويته،وهو موضوع هام هذه الأيام خاصة وأن المجمعات السكنية غزت الأحياء بصورة عشوائية مما يفسد على الدور الهادئة عيشتها
فتفرض ازدحاما على أحياء محدودة المساحات فتصبح خانقة.
وهذا يعود إلى سوء التخطيط في البلديات،كان الأجدر بها أن تخصص قطع أرض خاصة لهذه المجمعات بصورة منظمة وأن يخصص لهذه الإسكانات حدائق
وملاعب لسكانها لتكون متنفسا للصغير والكبير ولطفل السرير.
كما يعود إلى طغيان الروح التجارية المادية على الروح الإجتماعية،سعيا وراء تحقيق الربح المادي على حساب راحة الآخرين وحالتهم النفسية.
وتناول أعضاء ملتقى النخبة بجدية وطرحوا آراء صائبة وأفكارا هامة في صلب هذا الموضوع.
وبرأيي المتواضع فإنني أقول الجوار!!!
وما أدراك ما الجوار؟؟؟
فلنا في تراثنا الثقافي ومن ثمَّ في ديننا الحنيف،الكثير من العبر والدروس،فإن التزمنا بها سعدنا في الدنيا ونعمنا بنعيم الآخرة.
فقد كان العرب في الجاهلية يُعظِّمون حقَّ الجار ويحترمون الجوار ويعتزون ويفتخرون بثناء الجار لهم،وكان من مكارم أخلاقهم على سبيل المثال:
أنهم يحفظون عورات الجار من كل شر وسوء فقد قال عنترة
شعرا:
( وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إني إمرؤ سمح الخليقة ماجد
لا أتبع النفس اللجوج هواها)
هكذا كانت نظرة العرب في الجاهلية إلى الجيرة من حيث حقوقها وحرمتها.
ولما بعث الله تعالى محمدا
رسولا ونبيا(بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)وأنزل عليه قرآنا عربيا مبينا،كي يكون دستور حياتنا،
أمننا وأماننا،سكينتنا وطمأنينتنا
فقد بيَّن الإسلام سبل الحياة
الحرة الكريمة للناس كافة كما خص الجار بحسن التعايش مع الجار ذي القربى والجار الجنب،
والصاحب بالجنب،كما بين سبل
التعامل مع الأصدقاء والأعداء.
وهذا رسولنا الكريم يقول:
(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وأمر الله تعالى بالإحسان إلى الجار بعد امره بعبادته:
(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُب
والصاحب بالجَنبِ).
كما اشترط لتمام الإيمان بالله واليوم الآخر إكرام الجار،يقول
رسولنا الكريم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُْكرم جارَه)
ويحلو الحديث عن حق الجار والجيرة لما له من أثر فعال في زيادة لحمة المجتمع مع بعضه فيشيع فيه التكافل والتضامن ويجعله كالبنيان المرصوص، فرسولنا الكريم يقول: (مثل المؤمنين في توادهم و
تراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد
اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وقال عليه افضل الصلاة والسلام:(أتدرون ما حق الجار،
إن استعان بك أعنته،وإن
استنصرك نصرته،وإن استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت اليه،وإن مرض عدته،وإن مات تبعت جنازته....ألخ)
هذا ولا ننسى أن أمثالنا الشعبية لها نصيبها في تكريم الجار وتقديره،فنقول:
إسأل عن الجار قبل الدار،
الجارُ جارٌ ولو جَارَ،،،جار ولا كوم حجار،،لا يعرف حالك إلا ربك ثم جارك،،جارك القريب ولا اخوك البعيد،،
وخلاصة القول أن الإنسان لا يستطيع العيش بوحده،فلا بد من أسرة تحتويه ويحتويها ليشعر بالألفةوالأنس والمودة وليكونوا سندا لبعض قائما على التعاون.
ولا بد أيضا من تواجد جيران ليقضوا على الوحشة من جهة وليتكاتفوا فيما بينهم ليوفروا جوا اجتماعيا قائماعلى المحبة والمودة والتعاون،فقدقيل:
الجنة بدون ناس ما بتنداس.
وأما عن حال أهل الإسكانات كان الله في عونهم،فقد فُرِضت
عليهم لضيق الحال وعسر في المال والحرمان من قطعة أرض يقيمون عليها دارا أو دويرة على قد الحال تأويهم وعيالهم.
وفي هذه الحالة فقد فُرِض عليهم العيش ضمن دائرة ضيقة
داخل صندوق مغلق بلا ساحات
وبلا ملاعب،وبلا حدائق وبنزر قليل من هواء طلق وأشعة
الشمس،فقد حرموا من متنفس طبيعي لهم ولأطفالهم خاصة،
كما فُرِض عليهم جيران من منابت واصول شتى وبثقافات متعددة قد ينسجمون مع بعض وينفرون مع البعض الآخر.
وفي هذه الحالة ما عليهم إلا التريث والبحث عن مداخل تقرب بينهم لكسر هذا الطوق،
وتقليل الهوة فيما بين أرواحهم والعمل على ترويض انفسهم بقبول الآخر ليتعايشوا،ليزدادوا أُنسا ومودة،وماعليهم إلا أن يتقبلوا وضعهم،ويعلموا أن الناس ليسوا بطباع واحدة.
وإن وجود الفروق الفردية بين الناس ظاهرة صحية،فقد قال رسولنا الكريم(الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تنافر منها اختلف).
وما أحراهم وأحيانا إلا أن نتجمل ونعمل بقول رسولنا الكريم:
(نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُنزل الناس منازلهم وأن نكلمهم
على قدر عقولهم).
ومما لا شك أنه في كل حي أَوْ حارة يوجد عقلاء لا بد من تسخير حكمتهم لمنفعة الناس،
وتنظيم أمورهم في ظروف حياة الجيرة.
وأما حراس العمارات فقد صارت الحراسة مهنة من لا مهنة له وهي مهنة رابحة كما أن الحارس تسلطن في الحي
وصار له نفوذ واسع،ويلعب دورا
هاما إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا.
وهنا ما على سكان العمارات إلا أن يتصفوا بالتعقل والحكمة واختيار من يكون على درجة عالية من الأخلاق،ليُكَوِّنوا لجنة لإدارة العمارة والإشراف على شؤونهم كي يتحقق لهم الأمن والأمان والاستقرار وراحةالبال.
( والله الموفق ).
د.عبدالكريم الشطناوي.
مدار الساعة ـ