ليس ثمة مبالغة في العنوان أعلاه، إذ إن مجزرة بلا كوابح ترتكب يوميا بحق فلسطينيي الداخل, على نحو وصل ذروة بشاعته في المجزرة التي ارتكبت أول أمس/الثلاثاء أربعة اشخاص تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاما وقعت في بلدة «أبو سنان»، أحدهم مرشح في انتخابات رئاسة المجلس المحلي في البلدة، فيما عثرت طواقم الاسعاف التي تمت استدعاؤها الى مكان الجريمة, على الأشخاص الأربعة فاقدي الوعي في حقل زراعي تم الإعلان عن وفاتهم في المكان الذي وجدت جثثهم فيه.
هنا تحضر مأساة جرائم القتل التي تتواصل في مجتمع فلسطينيي الداخل, حيث لا يفرق المجرمون بين طفل وشيخ وشاب.. إمرأة أو رجل، يفتكون بكل من يطلب إليهم تصفيته بأساليب مختلفة, لكنها في النهاية تزهق أرواح ضحايا أبرياء, والأكثر مدعاة للغضب المحمول على مرارة وشكوك متأصلة, بتواطؤ أجهزة العدو المختلفة مع عصابات القتلة، خاصة أن لدى تلك الأجهزة القدرة والموارد والإمكانات والمعلومات, ما يمكنها من اعتقال هؤلاء وضبطهم, بل والحؤول دون وقوع جرائم القتل هذه، على النحو الذي تفعله في المجتمع اليهودي, الذي تراجعت فيه نسبة جرائم ا?قتل, مقارنة بما يحدث في مجتمع فلسطينيي الداخل. رغم وجود «مافيا» يهودية وعالم سفلي معروف أن تل أبيب مركزه.
خاصة أن عدد ضحايا جرائم القتل أوساط مجتمع فلسطينيي الداخل وصل إلى «147» ضحية منذ بداية العام الجاري بينهم أربعة من فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة, وواحد «يهودي» قتل لأسباب «جنائية».. ما يعني أنها حصيلة أقل من ثمانية أشهر, أي بمعدل «18» ضحية شهريا, أو ضحية «واحدة» كل «يومين", وهي أرقام لا تحدث في المجتمع اليهودي, أو في عواصم إقليمية ودولية, معروف وجود عصابات إجرامية متعددة «المهمات» فيها, كتهريب المخدرات, تبييض الأموال أو الإتجار بالبشر.
اللافت في كل ما جرى ويجري من جرائم قتل وترويع, تصل حدود الفوضى وانهيار الضوابط وغياب الأمن الشخصي والمجتمعي، هي «الصحوة المفاجئة» التي «اجتاحت» رئيس الائتلاف الفاشي الحاكم في تل أبيب/ نتنياهو, الذي خرج على جمهور فلسطينيي الداخل ببيان مصور صدر عنه مساء أول أمس/الثلاثاء (قبل وقت قصير من المجزرة التي شهدتها بلدة أبو سنان وراح ضحيتها أربعة اشخاص), اعتبر فيه نتنياهو أن جريمة قتل مدير عام بلدية الطيرة/عبدالرحمن قشوع تمثل تجاوزا لخط أحمر»..
أحد لا يعرف متى حدد نتنياهو أو رؤساء الحكومات الصهيونية الذي سبقوه, هذا الخط الأحمر الذي بات يرى الآن أنه تم تجاوزه، علما أن سيلا من دماء فلسطينيي الداخل سفك على يد مجرمين, نحسب أنهم يعرفون ضحاياهم, أو أن لا رابط بين سقوط الضحايا وأهداف القتلة التي تعرفهم الشرطة الصهيونية وأجهزتها المختلفة، فضلا عن التساؤل عن سر الحماسة المتدفقة فجأة على جدول أعمال نتنياهو, خاصة دعوته اللجنة الوزارية الفرعية لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي للاجتماع (أمس الأربعاء), علما أن هذه اللجنة لم تسجل على نفسها ذات يوم, انها أصدرت ?رارات ملموسة وناجعة لمكافحة الجريمة في مجتمع فلسطينيي الداخل..
نتنياهو الذي استفاق فجأة, قال في بيانه المصور: إن حكومته «لا يمكنها أن تسمح بجرائم القتل والمنظمات الإجرامية وجباية الأتاوة والسيطرة على البلديات»..بل أضاف على نحو يدفع بمزيد من الشكوك عن عدم جديته, وأن بيانه مجرد كلام للاستهلاك المحلي, عندما قال: «سنستخدم كل الوسائل بما في ذلك الشاباك والشرطة.. كل الوسائل، للقضاء على هذه الجريمة المنظمة في المجتمع العربي».. فأين كان نتنياهو وأجهزته من «شاباك وشرطة", عندما سقطت في عهده «الميمون» كل هذه الضحايا, طوال الأشهر «الثمانية» التي قضاها منذ تشكيل إئتلافه, وعندما أو?ل مهمة الأمن الوطني فيه للإرهابي العنصري ايتمار بن غفير, وهو الذي ما يزال يصر على تشكيل «حرس وطني» تابع لوزارته/بن غفير. كان نتنياهو نفسه «وعد» بن غفير تحقيق مطلبه بتشكيل «مجموعة قتالية", بذريعة محاربة الفوضى في الداخل, وكذلك (وفق زعم نتنياهو/وبن غفير) مواجهة الجريمة في «المجتمع العربي/فلسطينيي الداخل»..وهو أمر بات مكشوفا, حيث هذا «الحرس» غطاء لتشكيل ميليشياوي بإمرة وزير عنصري يدعو علانية الى طرد فلسطينيي الداخل الى خارج «إسرائيل", وسحب الجنسية منهم واعتبارهم مثابة مقيمين لا حقوق سياسية أو وطنية/قومية لهم.
في السطر الأخير.. لن تغير التصريحات التي أدلى بها رئيس دولة العدو/هيرتسوغ, أو رئيس حزب المعسكر الوطني/بني غانتس (كذلك تصريحات نتنياهو) تحولا جوهريا, في الأجواء الدموية الكارثية التي يعيشها فلسطينيو الداخل, بل هي تصريحات تندرج في إطار العلاقات العامة أو في السجال السياسي والحزبي, الذي يوظفه غانتس لرفع أسهمه لدى الجمهور اليهودي, عندما قال أول أمس: المجتمع العربي ينهار، ورئيس الحكومة مشغول بالتصريحات الفارغة. المطلوب–أضاف–سياسة حازمة ومسؤولة من جانب الحكومة بأكملها ودعمها بإجراءات على الأرض».