هي القمة رقم «15» لقادة مجموعة بريكس الخمسة التي تلتئم اليوم في جوهانسبرغ بجنوب افريقيا، وسط حال غير مسبوقة من الاستقطاب الدولي، على نحو يضع قمة بريكس أمام تحديات عديدة يأتي في مقدمتها, سؤال إصدار العملة الخاصة بالمجموعة، إذ لم يعد لدى المجموعة وقادتها ترف تأجيل هذا الاستحقاق، خاصة بعد أن بدأت بعض دول المجموعة في ما بينهما، كما بين دولها ودول أخرى خارجها, تتوافق على «تسوية» صفقاتها وتعاملاتها التجارية بالعملة المحلية. ما سيشكل حدثاً مُدويّاً ستتردّد أصداؤه كثيراً وطويلاً, في عالم استطاعت فيه الولايات المتح?ة بعدما أطاح الرئيس الأميركي الأسبق/نيكسون باتفاقية بريتون وودز عام/1971 بإلغائه – من بين تدابير وإجراءات أخرى – التحويل الدولي المباشر – من الدولار الأميركي الى الذهب (وُصِفت وقتذاك بـ"صدمة نيكسون") علماً أن اتفاقية بريتون وودز وُقِّعتْ عام/1944، لم تلبث واشنطن ولأسباب أنانية محضة أن انسحبت منها، فاتحة الطريق على هيمنة الدولار ليس فقط ببعديه المالي والاقتصادي, بل خصوصاً في توظيفه بعداً جيوسياسياً واستخداماً مُفرطاً للعقوبات, وإدارة لعبة قذرة في تقويم سعره مقارنة بالعملات الوطنية لمعظم دول العالم.
صحيح أن ترسانة الدعاية الغربية وخصوصاً الأميركية, التي ترى في تواصل ارتفاع مكانة ودور مجموعة بريكس, والاحتمالات المفتوحة لتوسيع عضويتها بتأييد مُعلن من الصين وجنوب افريقيا وروسيا, مع تحفظ من الهند وربما البرازيل، ستُركز الدعاية الغربية/الأميركية على تضخيم مسألة غياب الرئيس بوتين, لأسباب تتعلق بمذكرة الاعتقال التي سطرها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية/البريطاني الجنسية والصهيواميركي الهوى/كريم خان، إلا أن ذلك كله إنما يستهدف إبعاد الأنظار عن التحوّلات المُتسارعة في المشهد الدولي, وبخاصة تلك المتعلقة بتراج? الدور الأميركي وتآكل قدرة واشنطن على منع معظم دول الجنوب من الإلتحاق بقطار مجموعة بريكس, بما هي القوة الدافعة والمُؤثرة لعالم مُتعدد الأقطاب, فضلاً عن صيغ التعاون المُتعددة التي تطرحها دول المجموعة الخمس, في شأن توسيع العضوية أو على هامشها, مثل اقتراح تشكيل هيكل جديد يحمل اسم «بريكس بلَسّ» للتعاون مع الدول النامية.
كما ستُركز آلة الدعاية الغربية على الخلافات «الحدودية» بين الصين والهند, فضلاً عن تضخيم التوقّعات بأن الأخيرة/الهند التي لم تحسم تموضعها حتى الآن، إثر انخراطها في تجمّعات ذات أبعاد أمنية وأخرى مرشحة للتحول إلى عسكرية, كما هي حال نيودلهي مع رباعية «كواد» التي تضمّها مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. فضلاً عن صفقات أسلحة أميركية تنوي نيودلهي إبتياعها. ذلك كله لن يغير كثيراً أو جوهرياً في الانطلاقة الواثقة والنوعية المتوقعة لمجموعة بريكس في قمتها الراهنة, والتي يُتوقّع أن تصل ذروتها (في هذه الدورة أو ال?ي تليها) بالاتفاق على طرح عملتها الجديدة (المُقوّمة بالذهب) التي ستكون وسيلة تسوية التبادلات التجارية, في ظل اكتمال بنية بنك التنمية الجديد NDB الذي تأسس في 14 تموز 2014، برأسمال قدره 100 مليار دولار مقسمة إلى مليون سهم قيمة كل سهم (مئة ألف دولار), وترأسه الرئيسة السابقة للبرازيل/ديلما روسيف, التي قالت: إن البنك والصندوق خطوتان مهمتان لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي (المقصود الصندوق الذي تم إنشاؤه مع الإعلان عن قيام البنك، كصندوق احتياطيات مالية طارئة)، حيث سيقوم البنك الجديد ــ أضافت ــ بتمويل مشاريع ا?بنية التحتية والتنمية المستدامة في دول بريكس والبلدان النامية. علماً أنه ومنذ انشائه قام بتمويل «90» مشروعاً بإجمالي 32 مليار دولار لدعم مشروعات عديدة.
هو بنك إذاً في تضاد (إن صحّت التسمية) مع وصفات البنك والصندوق الدوليين, التي لم تُفضِ إلاّ إلى تراكم الديون والفوائد على الدول النامية, وارتفاع نسب الفقر والبطالة جراء اعتماد خبراء تلك الوصفات على رفع الدعم عن السلع الاساسية والخدمات والمرافق العامة, ما ادى من بين أمور أخرى إلى تآكل الطبقة الوسطى, في الدول التي لجأت إلى هذيْن البنكيْن, «الأميركيّيْن إدارة وقراراً كما يجب التذكير».
ليس ثمَّة مُبالغة في القول إن محوراً عالمياً جديداً أخذ مكانته في مشهد الاستقطاب الدولي الحاد الذي تعيشه المعمورة الآن، ونقصد محور مجموعة بريكس الذي يقود جهداً ملموساً ومُؤثراً لطي صفحة التفرّد الأميركي, في تقرير مصير العالم منذ انتهاء الحرب الباردة, والتوسع العدواني الذي بلا كوابح لحلف شمال الأطلسي, الذي يدعي زوراً أنه حلف دفاعي، فيما تضغط/ تأمر واشنطن الدول الأعضاء فيه, ان لا تقِّل موازاتها الدفاعية عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي. خاصة إذا ما علمنا (كما جاء في التقرير الصادر عن المؤسسة البريطانية «أكرون?ماركو للإستشارات"), أن مجموعة بريكس تساهم في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5ر31%, مقارنة بـ7ر30% لمجموعة G7. فيما شكّل الإجمالي الاقتصادي لدول بريكس الخمس نحو 4ر25% من الاجمالي العالمي. وان حجم التجارة الإجمالي للدول الخمس وصلَ الى 9ر17%.
فهل يمكن تجاهل أو تجاوز «مجموعة» ذات ثِقل سُكاني ومكانة اقتصادية وسياسية وعسكرية ضخمة.. كهذه؟.