مدار الساعة - انس صويلح - نظمت جماعة عمان لحوارات المستقبل محاضرة بعنوان «الرموز الوطنية ودورها في صناعة التماسك الاجتماعي والمواطنة» قال خلالها المؤرخ والمفكر الدكتور علي محافظة أمس في مركز البيرق، أن الرموز الوطنية توحد مشاعر المواطنين، وتعزز انتماءهم إلى بلدهم، وترفع من معنوياتهم، وتخلق لديهم افتخارا بأشخاص من بينهم كانوا مثلا في حياتهم، وفي مجالات عملهم ودورهم في خدمة وطنهم، وبهذا يتجاوز الأردني في مشاعره نحو الرموز الوطنية، بيئته الضيقة إلى الوطن الأوسع ويخرج من شرنقة القبيلة والقرية والمدينة إلى ساحة الوطن الواسعة.
ولفت إلى أن الرموز الوطنية تشكل لحمة الوحدة الوطنية وسداها، وتنمي الكبرياء الوطني الذي نحن بأمس الحاجة إليه، وما زلنا مقصرين في الأردن في هذا المجال، مؤكدا أنه من حق الأردنيين أن يكون لهم رموز وطنية في مختلف ميادين الحياة.
ويرى محافظة أن الرموز الوطنية يكونها ويصنعها الشعوب ووسائل الصحافة والإعلام الرسمية والخاصة والجامعات والمدارس وبالكتابة عنهم، مبينا أن وجود الرموز الوطنية يكون عمدانا قوية وثابتة للوطن، والأردن لوجود مكونات ورموز وطنية فهو دولة عريقة وراسخة وإستمرار وتقوية الرموز الوطنية يقويها.
وبين أنه ليس شرطا إظهار الرموز الوطنية دائما، بل من الواجب إظهارها وقت الأزمات وإن حصلت مشاكل سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو تعليمية أو صحية أو ثقافية وغيرها من الأزمات التي قد تؤثر على التقدم والتفوق والإبداع، وعلى الشعب تقديرهم واحترامهم، وليس شرطا أن يكون عليهم إجماع لكن لهم وجود وتأثير ورأي يقولونه لحل المشكلات.
وأوضح أن علينا الإبقاء على وجود الرموز الوطنية، ونسلط الأضواء عليهم بين الحين والآخر، وعلى الأقل في المناسبات ليكون لهم كلمتهم في توجيه الأجيال الصاعدة، من خلال إطلاع الأجيال على خبرات الرموز الوطنية، والنسيج الوطني المتماسك يخلق رموزا وطنية تخدم مصالح الوطن وتسهم في بناء الوطن وتقدمه.
وفي نهاية محاضرته التي أجاب خلالها على اسئلة الحضور الأكاديميين والسياسيين، أكد محافظة أن الأردن يتمتع بالحرية الإعلامية وغيرها والمواطنون يقولون وينتقدون ويفعلون ما يشاؤون خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي وفي مجالسهم دون خوف، مؤكدا أن فلسطين هواء الأردن، والقضية الفلسطينية هي جلد للأردن ولا أحد يستطيع الخروج من جلده.
وفي بداية المحاضرة، قال رئيس جماعة عمان لحوارات المستقبل الزميل الأستاذ بلال التل أن الندوة تأتي كجزء من التأسيس العلمي لوثيقة المواطنة التي تعمل الجماعة على إعدادها، لتسهم من خلالها بوضع منارة على طريق السالكين سبل المستقبل، بعد أن تداخلت الشعاب والدروب، وعلا الضجيج حول دولة المواطنة وسيادة القانون، وهو الضجيج الذي لا يغطي عليه إلا أزير الرصاص، الذي صار جزءا من حياتنا نطلقه بكثافة في افراحنا، ونطلقه بكثافة أكبر عندما نقرر أن نأخذ حقنا بأيدينا، دون أن ننتظر نفاذ القانون.
ودعا التل إلى تحكيم صوت العقل، الذي يعيد الناس إلى رشدهم الذي يقودهم إلى الالتزام بالقانون، وهنا يبرز دور المفكر المحلل الذي يحسن قراءة التاريخ وقراءة طبائع الناس، وطبيعة المجتمعات.
وأكد التل أن الرموز الوطنية في كل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والاقتصادية، تشكل منارة أساسية من المنارات التي تضيء دروب الشعوب والمجتمعات، لأن هذه الرموز تمثل النموذج والقدوة لمجتمعاتها فتحاول أن تدفع أبناءها للسير على درب هؤلاء الرموز والاقتداء بهم.
وفي نهاية كلمته تساءل التل: هل لدينا في الأردن رموز يشكلون منارات لنقتدي بهم سياسيا وثقافيا واجتماعيا وفنيا واقتصاديا، أم أن هؤلاء الرموز غائبون أم يجري تغييبهم، ولماذا هذا الغياب أو التغييب ولمصلحة من، وهل صحيح أن بطون الأردنيات أجدبت منذ عقود، أم أن هناك من يجهض ولادة رموزنا السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى التعليمية، ولمصلحة من هذا الإجهاض، وما هي آثار هذا الغياب للرموز الوطنية على تماسكنا الإجتماعي ووحدتنا الوطنية، وهي الآثار التي صرنا نعيشها وهنا في تماسكنا الإجتماعي تقاليدا وسلوكا، وعلى وحدتنا الوطنية التي نكثر من شقشقة اللسان حولها، في الوقت الذي تمعن تصرفاتنا تمزيقا في جسدها.
من جهته قال رئيس مجلس امناء جامعة الشرق الاوسط الدكتور يعقوب ناصر الدين، ان الأردن دولة عميقة ومتجذرة تحوي رموزا، يعملون في الظل رغم اسهامهم في بناء الدولة الاردنية التي صمدت تاريخيا في وجه الظروف والمؤامرات وليس الربيع العربي فحسب، مضيفا انه لا يمكن انكار الدور الذي يقوم به رجالات الدولة العميقة.
من جهتها عزت الكاتبة هدى أبوغنيمة اضمحلال الرموز الوطنية لعدم توفر اي مشروع حضاري متكامل، لافتة الى الحاجة لجهود مشتركة في ظل تحديات العولمة، لا سيما ان الفرد لا يمكنه فعل شيء لوحده.
وقال النائب السابق الدكتور محمد ابو هديب إن تغييب الرموز الوطنية هو من قبيل النفاق السياسي، منتقدا من تصدوا لكتابة التاريخ حين اغفلوا الكتابة عن الرموز الوطنية الاردنية، ممن سجلوا السبق في بناء الدولة الاردنية.
وقال الوزير الاسبق نايف حميدي الفايز، إن هناك أهدافا شخصية كامنة خلف تغييب الكتابة عن الرموز الوطنية، رغم انها جزء من الهوية الوطنية، لافتا الى ان حالة الاجماع ما بين الشعب والنظام السياسي جعلتنا نعبر المخاطر التي رافقت الربيع العربي بكل حكمة وحنكة، وان تميز الاردن كحالة التحام بين الشعب والقيادة شكّل حالة عربية فريدة تحتاج الى دراسة.
بدورها قالت النائب الاسبق الدكتورة أدب السعود ان وسائل التواصل الاجتماعي قد خلطت المفاهيم، ومنحت البعض الرمزية غير المستحقة، الامر الذي اعتبرته بحثا عن المصالح بعيدا عن المبادئ.