لست حزبيا وقررت بأن أبقى مستقلا وبنفس الوقت داعما لكل الأحزاب وجهودها التنموية، ويهمنا جميعا نجاح رؤية سيد البلاد لتحقيق حكومات حزبية تقود المرحلة، مقابل تشكل معارضة برلمانية تقيم وتتابع وتقوم، وشارع يراقب ويتابع وينتخب الأفضل للمرات القادمة.
النضج السياسي هذا إن حققناه فإن فاعلية الإدارة لرؤية التحديث الإقتصادية وما نتج عنها من خطط ولكافة القطاعات، سيفضي إلى دولة قوية مستدامة وعصرية تضمن أمنها المائي والغذائي وأمن الطاقة، وتحقق رفاه مواطنيها وشبابها وفرص العمل لهم ومستقبلهم وطموحهم، ضمن إدارة تخلو من الترهل والفساد وتنهج أعلى وأفضل معايير التفوق.
القادم صعب على كافة الصعد أمامنا وأمام الإقليم والعالم أيضا؛ حروب وتغير مناخي وكوارث طبيعية وأوبئة ومجاعات وشح مائي وزيادات سكانية... إلخ، والبقاء للأفضل والأقوى، وأن علينا إسناد أجيالنا القادمة وأن نورثهم دولة قوية منافسة بكافة المعايير، لا أن نورثهم مديونية وملفات مرحلة وتحديات غير محلولة.
كنت عضوا في اللجنة الملكية وبالتحديد في لجنة الأحزاب، وساهمنا بوضع القانون الجديد للأحزاب، وصادقنا معا على مخرجات اللجان الأخرى، لنتحدث عن رؤية تحديث سياسي عصرية متزنة وكما أرادها الملك، وكنت قدر الإمكان وحيثما سمح المجال أنادي بتحسين وإنعاش إقتصادنا وفقا لمجمل الرؤية، ليثلج صدورنا الملك بإصدار قرار لوضع رؤية تحديث إقتصادي وتحديث إداري، فتتكامل الأمور.
أتابع كثيرا وكمواطن مستقل (غير حزبي) الشأن الحزبي هنا وهناك، وأتواصل مع الكثيرين من أعضاء الأحزاب وقياداتها، وأقرأ لهم الكثير من البيانات ونتائج اللقاءات في مختلف مناطق المملكة، وما زالوا في فلك الخطاب والبيان والتوضيح ورسم الطريق وبلورة مواقفهم، مع الكثير من تحديات تواجههم.
التحدي الأكبر الذي يواجه الأحزاب هو عدم نضج وتبلور دورهم الرقابي أو التوجيهي بعدم تمكنهم بعد من تحقيق مكانتهم المرجوة أمام الحكومة، ونعلم جميعا أهمية ذلك للأحزاب سواءا أمام مجتمع الحزب الداخلي أو أمام الشارع لتعزيز وجودهم ودورهم.
هل يستطيع أي حزب مثلا وبسهولة مقابلة وزير ما أو مسؤول هنا أو هناك، وطرح قضية معينة وحلول عليه ومتابعتها، لنجد ماكينة الاعلام الأردنية والسوشيال ميديا تتسابق لتغطية ومتابعة الأمر، بدلا من تغطية خطابات الأحزاب ولقاءاتها في القرى والمدن والبوادي والمخيمات والأرياف وفي محافظاتنا، الأمر الذي بات الاعلام يتجنبه لقلة متابعيه، وحتى صار يلاقي فتورا وعزوفا عن حضور الفعاليات الحزبية التي أصبحت تقليدية للأسف.
مع ماكينة إعلام تغطي وتتابع وشارع يقرأ ويتابع أيضا ويهتم، نريد الحزب الفلاني مثلا أن يتبنى قضية العمالة الوافدة مع وزير العمل مقابل المتابعة مع إدارة التدريب المهني وتوجيه وتشجيع شبابنا عليه، لإحلال الشباب المحترف في كثير من المهن شبه المحتكرة للعمالة الوافدة -والتي تحقق دخلا مرتفعا- في كل محافظاتنا وألويتنا، وحزب آخر يتابع قضايا التكيف مع آثار التغير المناخي وتحسين بصمتنا الكربونية مع وزارة البيئة ومصانعنا ومختلف قطاعاتنا، وحزب آخر يتبنى رفع وتحسين وتعزيز منتجاتنا الصناعية وإسناد مصانعنا بالتدريب والطاقة المتجددة إلخ ومع الجهات المسؤولة عن هذه الملفات، وحزب يتابع الاقتصاد الأخضر والتحول للطاقة المتجددة، وحزب يتابع قضايا أمننا الغذائي مع الجهات المعنية، وحزب يتابع قضايا تحسين جودة الخدمات السياحية، وحزب يتبنى متابعة قضية تغول البنوك على المقترضين برفع قيمة الأقساط والقروض بأثر رجعي،... إلخ، والقضايا كثيرة، والعمل كثير، وكل ذلك يحولنا جميعا إلى خلية نحل تنتج وتعمل وتراقب وتتابع وتقيم وتقوم،،، لا مكان للترهل ولا مكان للفساد...
هل ستتمكن الأحزاب القيام بذلك على وضعها الحالي؟ وهل لها سلطة على الجهات الحكومية ومختلف القطاعات؟
حقيقة لقد نظم قانون الأحزاب كل ذلك، وللأحزاب حق المتابعة والرقابة وتقديم المقترحات وضمن آليات وأدوات معينة ومعلومة، ولكن وعلى الرغم من ذلك فالأحزاب لدينا ما زالت بحاجة لدفعة معنوية للقيام بذلك.
ولكل ما سبق نؤيد كثيرا لقاءا ملكيا ساميا مع أمناء الأحزاب المرخصة، كدفعة معنوية وتعزيز وإسناد لدورها، يتبعه لقاء مع دولة رئيس الوزراء، ولقاء مع رئيسي مجلس النواب والأعيان.
من جهة أخرى، فعلى الأحزاب اليوم أن تستعد كثيرا، وخاصة بعد أن أكد جلالة الملك في لقاءاته الأخيرة على مضي الدولة قدما نحو التحديث السياسي والحكومات البرلمانية، وقرب الانتخابات النياببة، وعليهم -وهذا مهم جدا- أن يقرأوا جيدا خطط التحديث الاقتصادي، لأنه وببساطة على من يكون أغلبية برلمانية فيشكل الحكومات منهم تنفيذ هذه الخطط، والآخرون منهم سيشكلون قوى داعمة أو معارضة صحية تتابع وتقيم وتقوم.
الصورة أصبحت أكثر وضوحا، ويسرنا اليوم إصرار الملك على إنجاح رؤيته وخطته، بعد أن أضطررنا بسبب وباء كورونا لوقف السير قدما بخطة مشروعنا النهضوي دولة الانتاج، وأن الظروف اليوم لن تتحمل أبدا التراجع أو البقاء كدولة بلا خطة.