مفهومي للنخبة تكون في منتصف الثمانينات من القرن الماضي, حين بدأت بمشاهدة مضافة (الحاج مازن القبج) على التلفاز, الحاج مازن كان بالطبع يمثل الفضيلة, ويمثل النصح ويمثل القائد الإجتماعي.. وكان يتحدث كثيرا عن ضرورة توفير المياه, وعن ضرورة الاتجاه للزراعة.. وذات يوم تحدث في المضافة عن (الزوجة الحردانة)... بالمقابل مثل (توهان) أحد شخوص المضافة العوام, وكان دائما يقدم الرد المضاد... وغالبا ما كان يأتي بمشكلة إلى المضافة.

تطور مفهوم النخبة عندي حين قدمت عبير عيسى دور المعلمة في مسلسل (العلم نور), وكانت لا تركز على قصة التعليم.. بقدر ما تتحدث عن الظواهر الإجتماعية الخاطئة, كانت تمثل دور البنت الجميلة والمثقفة والتي تحاول إصلاح سلوك مجموعة من (الأميين) جاؤوا لتعلم القراءة والكتابة.

بعد ذلك وحين انخرطت في مرتبات الرابع الإبتدائي, شكلت (حليمة) لدي مؤشر النخبة.. وهي بصراحة سيدة صارمة كانت تعمل في المدرسة, حليمة كانت تقوم بتغطية الحصص التي تتغيب عنها المعلمات, كانت صارمة وحادة.... كانت تفتش على أظافرنا, وتطالبنا بتقصير الشعر.. وتأكل من (سندويشاتنا).. وتلوح بالعصا إذا خرج أحد من الطلبة عن سياق الصمت والخضوع التام.. حليمة شكلت في ذهني نموذج النخبة المستبدة.. وحين غادرت مرتبات الصف الرابع تبين أن وظيفة حليمة (اذنة).. وكنت أعتقد أنها نائبة المديرة.

فيما بعد ومع تقدمي بالعمر وانخراطي في الإعدادي.. تبين لي أن أمي هي اختصار النخب في كل العالم.. هي التي كانت تدافع عني حين يتهمني الوشاة بالتدخين, كانت تعرف أني دخنت.. ولكنها دافعت بشراسة ومنعت الجميع من الإقتراب مني... كانت تخيط بنطالي والقمصان, وإذا هربت المدرسة فهي جاهزة لكي تخلق ألف مبرر لأبي.. حتى مرضي كانت تشخصه أفضل من الأطباء, أتذكر أني أصبت ذات يوم بالتهاب حاد في اللوز.. لكن أمي أصرت أن القصة (عين وصابتني) وليس لها علاقة باللوز, واتهمت سيدة حسودة من الحارة بالأمر... وأظن أن الزيت الذي سكبته على رقبتي والايات التي قرأتها كانت سبب الشفاء.. حتى أنها قالت ذات يوم وعلى رؤوس الأشهاد.. حين قامت بنت من حارتنا بالادعاء أني دفعت أجرتها في الباص وطلبت رقم هاتفها.. قالت للجميع: (أصلا عبدالهادي مابقطع فرض)...

مؤخرا صاروا يتحدثون عن النخب كثيرا.. هل يوجد في الأردن نخب؟..

الأمهات في هذا الوطن هن النخب, هن اللواتي أنجبن العسكر.. وأنجبن المستحيل, هن اللواتي حرسن بدعائهن الحدود... وهن اللواتي قمن بعجن الطحين مع صباحات الرضا.. وهن اللواتي ارضعن مع الحليب البارود والكبرياء والصبر..

(قال نخب قال..) هل يوجد نخب؟.