وشح قانون الجرائم الإلكترونية بالإرادة الملكية السامية.
حسناً هذا يعني أن الدولة والمشرع ونسبة كبيرة من المجتمع لديهم جدية, في ضبط الإنفلات الذي يحدث في فضاءات السوشيال ميديا, هذا يعني أيضا أن مرحلة ما قبل القانون لم تعد تشبه مرحلة ما بعد القانون أيضا... ولكن السؤال الذي يعكر صفو العقل هو: ماذا عن الفضاء المسموع, ماذا عن الذائقة والوعي؟.
ما يحدث في الإذاعات اليوم لا يقل خطورة عن الإنفلات الذي حدث في وسائل التواصل الإجتماعي, فأنت إذا استمعت لبعض الإذاعات... ستكتشف أن «التفاهة» أحيانا لا تقل تأثيرا في المجتمع عن الذم والقدح والتشهير, ستكتشف أن ما يبث لا يرتقي لمستوى احترام العقل, ولا يصل حد تقديم المعلومة أو احترام ذائقة المستمع..
الإذاعات تحتاج لبعض الضبط, فهي التي استحوذت على سوق الإعلان.. وساهمت في انهيار الصحف, على الأقل الصحف كانت تقدم الخبر وتقدم التحقيق والمقالة, بالمقابل معظم الإذاعات.. تقدم برامج استهلاكية, مليئة بالنكت.. (وصهونة) المذيعة, والحديث عن مستحضر زيت شعر.. يساهم في تقوية الجذور, وماذا حدث في حفلة ملحم زين بدبي, وهل فستان نجوى كرم صمم في فرنسا أم لبنان, وتقرأ مذيعة مغمورة رسائل بعض المراهقين الذين أمطروها بوابل من الغزل والقصائد...
الحرية تعني احترام العقل, تعني احترام الذائقة أيضا... الحرية تعني تقديم وجبة معرفية للناس.. تعني أيضا المحتوى, واتحدى أن تقوم الحكومة بعمل امتحان (ثقافة عامة) لبعض الذين يمتطون صهوات هذه الإذاعات, اتحدى أن يحصلوا على علامة نجاح على الأقل..
أنا لا يهمني معاقبة المسيء بقدر ما يهمني تقدير عقل المستمع, لا يهمني تغليظ العقوبة.. بقدر ما يهمني أن نفهم معنى النقد, ومعنى الإختلاف.., معنى الحوار الوطني الجاد والهادف...
أعطوني مثلا واحدا, على قيام إذاعاتنا بدعم مشاريع الدولة.. مثل: الأحزاب, الإصلاح السياسي.. أعطوني مثلا واحدا, على قيام إذاعة من إذاعات (الصهونة) بتقديم أو تبني مشروع للشباب.. الكثير مما يطرح في الأثير هو استهلاك ومزاح فج, وطعوجة في مخارج الحروف من أجل تقديم لهجة لبنانية...
طبعا لا أعمم واستثني الكثير, أنا ما زلت استمع للإذاعة الأردنية.. ما زلت استمع لوجبات الوعي التي يقدمها الزميل حسام غرايبة, ما زلت أيضا استمع للزميلة ليلى السيد... ما زال هناك بعض المنابر التي تحترم الوعي والذائقة... بالمقابل ما زال هنالك الكثير من المنابر التي تمتهن (الدلع)..