مدار الساعة - ارتفعت وتيرة البلاغات عن وجود عمليات غسل أموال وتمويل الإرهاب في الأردن، خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات احترازية لتطويق هذه الظاهرة.
ووجدت الأموال المشبوهة طريقها إلى الأردن في ظل تفاقم الاضطرابات وحالة الفوضى التي ما زالت تعيشها بعض دول المنطقة، وتعد العقارات والسيارات من أبرز القطاعات التي يتم عبرها غسل الأموال في البلاد، حسب تقارير رسمية. وفي هذا الإطار أحاطت الحكومة العديد من القطاعات بإجراءات احترازية للتدقيق على مختلف المعاملات المالية الواردة للبلاد من أي جهة سواء من خلال التحويلات المصرفية أو نقل الأموال عبر الحدود.
وتعزيزًا لعمليات الرقابة وتحصين مختلف القطاعات فقد أصدرت الحكومة الأردنية، الأسبوع الماضي، تعليمات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بالمكاتب العقارية المرخصة، وتشمل جميع المتعاملين في هذا المجال سواء البائع أو المشتري.
إلى ذلك قال مدير عام دائرة الأراضي والمساحة معين الصايغ في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إن العقارات من أكثر القطاعات الخصبة لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب في أي منطقة بالعالم، ولذلك تم إصدار تعليمات خاصة لمواجهة احتمالات حدوث عمليات مالية مشبوهة في شراء وبيع العقارات من أراض وعمارات سكنية وغيرها.
وأضاف أن الظروف المحيطة بالأردن وحالة عدم الاستقرار بخاصة في كل من سورية والعراق تعزّز احتمالات نقل الأموال بطرق غير مشروعة واستغلال قطاع العقار لغسل تلك الأموال.
وتابع الصايغ أن هذا القطاع وبخاصة المكاتب العقارية أصبحت مطالبة بمراقبة أي عمليات بيع تنطوي على شبهات غسل أموال أو تمويل الإرهاب، وإبلاغ الجهات المختصة عنها فورا للتحقق من تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتورطين فيها. وأكد أنه تم مؤخرا رصد حالة اشتباه بغسل أموال من خلال عملية بيع أراض بقيمة فاقت سعرها الحقيقي بعدة أضعاف وتم إحالتها إلى الجهات المختصة، مشيرا إلى أن أسعار الأراضي حققت قفزات كبيرة قبل عدة سنوات لأسباب غير مبررة ولكنها عاودت الانخفاض حالياً.
وحددت التعليمات الخاصة بمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمكاتب العقارية الأشخاص السياسيين الذين يمثلون المخاطر الأجنبية بأنهم الذين يشغلون أو شغلوا وظائف عامة في دولة أجنبية، مثل رئيس دولة أو حكومة أو مسؤول حكومي رفيع المستوى أو سياسي بارز أو قاض أو عسكري أو شخصية بارزة في حزب سياسي أو مسؤول تنفيذي في الشركات المملوكة للدولة وأقارب هؤلاء الاشخاص حتى الدرجة الأولى كحد أدنى، إضافة إلى المقربين منهم.
وطلبت التعليمات من أصحاب المكاتب التعرف على هوية العميل وأوضاعه القانونية ونشاطه من خلال الوثائق الأصلية أو المصدقة، وأنه إذا اشتبه المكتب بأي عملية غسل أموال عليه أن يتوقف عن إجراء العملية ويعد تقريرا بذلك يرفعه إلى وحدة مكافحة عسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وحسب الصايغ فقد بلغ حجم التداول في سوق العقار الأردني 4.14 مليارات دولار في النصف الأول من العام، بانخفاض نسبته 8% عن ذات الفترة من العام الماضي. وبلغ عدد مبيعات العقار لمستثمرين غير أردنيين 1253 معاملة في النصف الأول من العام الحالي، منها 920 معاملةً للشقق و333 معاملة للأراضي، قيمتها التقديرية 220 مليون دولار للشقق و100 مليون دولار للأراضي، حسب دائرة الأراضي والمساحة. وجاءت الجنسية العراقية في مبيعات النصف الأول بالمرتبة الأولى بمجموع 464 عقارا والجنسية السعودية بالمرتبة الثانية بمجموع 279 عقارا، فيما جاءت الجنسية السورية بالمرتبة الثالثة بمجموع 129 عقارا.
ولم يتوقف الأمر على قطاع العقارات فقط، بل طاول قطاع السيارات، إذ قامت وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابعة للبنك المركزي الأردني، في وقت سابق، بتتبع قضية البيع الآجل للسيارات ووجود شبهات بأنها تنطوي على عملية غسل أموال وتمويل الإرهاب التي شهدها الأردن، وهي ما تزال قيد التحقيق.
وحسب بيانات الوحدة فقد ارتفع عدد حالات الإبلاغ عن اشتباه بوجود عمليات غسل أموال وتمويل الإرهاب العام الماضي بنسبة 84.5% مقارنة بالعام 2015. وقالت الوحدة في تقرير، صدر الشهر الماضي، إن هذ الارتفاع يعود إلى استمرارية الظروف المحيطة بالأردن وتهديدات التنظيمات الإرهابية وقيام الجهات الخاضعة لأحكام القانون بتحديث أنظمة رقابية ومتابعة آلية للعمليات المالية واقتناء أنظمة جديدة لديها.
وتلقت الوحدة 550 إخطارا حول عمليات مالية مشبوهة الشهر الماضي من قبل البنوك وشركات الصرافة وشركات خدمات الدفع والتحصيل وشركات التأمين ومحلات بيع المجوهرات.
وبلغ عدد الإخطارات الواردة إلى الوحدة وفقا لعدد الاشخاص المشتبه بهم 624 إخطارا، فيما ورد 52 إخطارا يتعلق بالجهات القضائية وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد والبنك المركزي وجهات حكومية أخرى ذات علاقة بأعمال الرقابة على حركة الأموال.
وتلقت الوحدة 409 إخطارات من عدة دول للإبلاغ عن شبهات غسل أمول وتمول إرهاب منها 215 إخطارا من الولايات المتحدة، و38 من الإمارات. وأعلنت الوحدة أنها راقبت عمليات الجمعيات الخيرية المتواجدة في الأردن للتأكد من سلامة عملياتها والتعاملات المالية الخاصة بها.
وفي هذا السياق، قال رئيس اللجنة المالية السابق في مجلس النواب يوسف القرنة لـ"العربي الجديد" إن الأردن تنبه مبكراً إلى مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتي تفاقمت مع الاضطرابات التي شهدتها العديد من الدول العربية مثل سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها ما أوجد حالة من الفوضى وانعدام السيطرة في هذه البلدان على حركة انتقال الأموال.
وأضاف القرنة أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ عدة سنوات نجحت في تجنيب الأردن عمليات غسل أموال وتمويل الإرهاب من خلال الرقابة المحكمة على مختلف القطاعات، وعلى وجه الخصوص البنوك وشركات الصرافة ومؤخرا المكاتب العقارية.
وأشار إلى أن بعض الشكوك كانت تدور حول عمليات غسل أموال تمت في مبيعات عقارية قبل عدة سنوات، وذلك بسبب الارتفاع الكبير وغير المنطقي على أسعار الأراضي، والتي قفزت عدة أضعاف عن قيمتها الحقيقية، لكن لم يثبت في المحصلة وقوع مثل تلك العمليات.
وقال القرنة إن أموالا ضخمة لا شك أنها هربت من بعض البلدان بواسطة عمليات مالية وتجارية مشبوهة، لكن الأردن تجنب تلك الممارسات بفعل الإجراءات الاحترازية التي اتخذت مبكرا، وبالتزامن مع حالة الفوضى التي ما زالت تعيشها دول عربية.
وتوقع أن تشهد دول مجاورة عمليات غسل أموال بمبالغ ضخمة خلال الفترة المقبلة، وستذهب بالطبع إلى بلدان أخرى لديها ضعف في محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
واحتل الأردن المرتبة 36 عالمياً من أصل 149 دولة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للعام الحالي بحسب تصنيف مؤشر بازل، الأسبوع الماضي. وأعطى المؤشر تصنيفاً من 10 درجات يمثل الصفر الأقل خطراً والدرجةُ العاشرة الأكثرَ خطورة، وحصل الأردن على 4.9 درجات.(العربي الجديد)