جاء خالد عبدالرحمن إلى جرش, أنا أحب هذا الفنان.. خالد لا يغني كلمات من شاكلة: (حبك حراء) أو كلمات من شاكلة: (ئلبك ئاسي.. ولحبي ناسي), هذا الرجل لا يتعاطى بالفن (الهابط) ظل محافظا على هويته في الغناء, والأغرب أن معظم كلمات أغانيه هو من كتبها, لأنه في الأصل ولد شاعرا واحترف الشعر قبل أن يبدأ الغناء.
السؤال الذي أود طرحه, لماذا طفح المدرج الجنوبي بالناس, ولماذا كان عددهم في الخارج أكثر من عددهم في الداخل, ولماذا لم يترك الجمهور فرصة لخالد عبدالرحمن كي يكمل أغنية بل أكملوها هم عنه؟..
السبب بسيط لأن هذا الفنان، لا يبرز من خلال حفلات أندية (الروتاري) مثلا, ولا يغني في جلسة خيرية لسيدات المجتمع الراقي من أجل جمع المال لقاء التبرع للفقراء, وهذا الفنان ليس مجبرا على أن يغني لجورج وسوف أو ملحم بركات حتى يكون فنانا.. الفنان مثل الجندي ومثل المقاتل, لا يغير في لهجته.. ولا يخلع العقال والشماغ أبدا ويعتز بموروثاته, وهو لا يغني بغير لهجته, وليس مجبرا أبدا.. على أن يركب سيارة حديثة ويقف مع مجموعة من الصبايا حتى ينتج ما يسمى (فيديو كليب), فهذا الفنان صورة الفن لديه مرتبطة بالرجولة وليست بالميوعة..
هل شاهدتم مثلا فنانا متزناً يصعد على خشبة مسرح, ويضع سلسلة ذهبية في يده.. و(جنزيز) وزنه نص نص كيلو من الذهب الخالص؟...
تلك رسالة لإدارة مهرجان جرش ولوزيرة الثقافة, الأصل أن نعيد أحياء الذائقة الفنية عبر هذه المنصة العظيمة, الأصل أيضا أن نشجع الجيل الجديد على الإلتزام.. والأصل أيضا, أن يكون الفن انعكاسا لهوية المجتمع والدولة...
خالد عبدالرحمن, نجح أكثر من كل الذين غنوا على مسارح جرش هذا العام, لأن مسيرته الفنية هي عبارة عن ترجمة لحياته, فقد باع سيارته عندما أنتج أول (كاسيت) له, عاش في أسرة متوسطة الحال.. مات شقيقه الأكبر وهو في ريعان الشباب, أجبر على أن يبدل تاريخ ميلاده حتى يحصل على رخصة القيادة, خرج من أحياء الرياض البسيطة... عاش (الطفر) بكل تفاصيله, ووثق قصة العشق التي مرت به وكادت أن تنهي أحلامه عبر فنه النبيل..
حتى الغناء ينجح حين يرتبط بالهوية, والحب لا يكون حبا لدي.. إن لم يولد على تراب هذا البلد.. وأنا أحس بالصلاة أجمل حين أرمي رأسي على تراب الكرك, والهواء تشعر به مكتملا في رئتيك حين تستنشقه من جلعاد أو عجلون أو معان.. والحزن حتى الحزن يكون ناقصا إن لم تشعر به في المدى الأردني..
شكرا للفنان خالد عبدالرحمن, الذي جاء إلى جرش.. ونثر دمعه على المكان وغادر, وعلمنا أن نفهم معاني الهوى ومعنى الهوية... شكرا خالد.