مدار الساعة - كتب أ.د. محمد الفرجات
لا يوجد جهة متخصصة "تماما" في المملكة تعنى بإستشراف القادم والمستقبل، وتنمذج المتغيرات المختلقة لوضع سيناريوهات تساعد صانعي القرار كجلالة الملك ودولة رئيس الوزراء وبعض الوزارات والمؤسسات الحيوية، وهذا خطير جدا وليس بصالح أحد، ويمس أمننا الوطني والقومي، ويسبب التفاجؤ بالمشكلة وبالتالي إستنزاف الجهود والوقت والمال لحلها وعلى حساب أولويات أخرى، وينشأ عنه حالة السخط الشعبي إضافة لفشل معظم الخطط والإستراتيجيات وزيادة المديونية وهدر الفرص.
سأعطي مثالا لخطر قادم كنت قد ناقشته بمقال لي قبل نحو عام؛ وهو بروز ظاهرة التأجير الآمن للعقارات والشقق السكنية بالذات، وتبعاتها من تكاثر ظاهرة الأسر المعدمة والمتعثرة ماليا والتي ستصبح بلا مأوى، هذا مثال على أزمة قادمة لا يوجد مراكز أو جهات مختصة لرصدها والتنبؤ بها.
هنالك مثلا تبعات خطيرة وقادمة لتمديد مدة سداد القروض أو زيادة قيمتها في ظل رفوعات الفائدة المتتالية وبلا أدنى مسؤولية وتابعية عمياء لما يحدث في أميركا، وكأن لدينا تضخم كما لديهم، وبالعكس لدينا جفاف سيولة غير مسبوق، وصفت كل الأموال في البنوك ولا أحد يستثمر من الأثرياء، ولا أحد يستقرض من البنوك للإستثمار كذلك، والجمود عنوان المرحلة وهذا خطير جدا إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا، فهل هنالك جهة تعاملت مع ذلك؟
أحزن كثيرا مثلا وأنا أرى جهودا وطنية تستنزف من شد وجذب وصراع بين الحكومة وفئات الشعب، وذلك حول قانون الجرائم الإليكترونية، ولن أتناوله في مقالي فهو ليس هدفنا هنا، ولكنني أتمنى لو أن هذا الجهد كان مثلا لتأسيس صندوق أردني سيادي؛ يستثمر ويعمر ويشغل ويحقق لنا أمننا المائي والغذائي وأمن الطاقة ورفاهنا المجتمعي، أو لتأسيس شركة مساهمة وطنية عامة لتصنيع غاز وفوسفات الريشة مثلا... فأين الجهة التي عليها تقديم مثل هذه الأولويات لصانعي القرار؟
هنالك حاجة ملحة لحوكمة ورقمنة وبناء سيناريوهات في كثير من المجالات والقطاعات الحيويةونورد عنها أمثلة؛ نماذج التكيف مع آثار التغير المناخي وتغيير سياساتنا الزراعية والمائية مكانيا وفنيا، نماذج التفوق الإقتصادي وتحويل الأزمات والتحديات إلى فرص، نماذج الفرصة السكانية والمد السكاني الأنسب مع نماذج إستعمالات الأراضي الذكي، نماذج الحوكمة الصناعية والحوكمة الزراعية الأمثل نحو تعزيز الانتاجية وتحسين الجودة وتقليل كلف الانتاج، نماذج تحسين مخرجات التعليم، نماذج تطبيق مخرجات البحث العلمي للتفوق الاقتصادي، نماذج الموازنة الذكية ومدخلاتها لأفضل إدارة مالية ونوعية مخرجات، نماذج تنويع وزيادة مصادر إيرادات الخزينة، نماذج إدارة العمل والتشغيل الأكفأ، نماذج الإدارة المسؤولة ذات أعلى إنتاجية بأفضل جودة، نماذج الفرص الاستثمارية الممكنة، نماذج إدارة المقاصد السياحية الوطنية، نماذج وإسقاطات النمو السكاني ومتطلباته من مياه وطاقة وخدمات كالتعليم والصحة والبنى التحتية والفوقية والشبكات والاسكان وفرص العمل وسبل تحقيقها ولكل محافظة، نماذج حوكمة إدارة الكوارث الطبيعية والجاهزية لتقليل المخاطر والخسائر البشرية والمادية، ... إلخ.
هنالك كما نعلم مجلس سياسات وطني، ومجلس إقتصادي إجتماعي، ومركز أزمات وطنية، ووزارة تخطيط،،، وقد يكون بعض ما سبق من صلب عملها، ونحترمها ونؤكد على أهمية ما يقومون به، ولكنه بالتاكيد من الجيد أن نشير لهم عن أهمية ما سبق لكي نستمر ونبقى كشعب ودولة.