مدار الساعة - كتب أ.د. احمد ملاعبة
يشهد المناخ الجوي الأرضي الصيف الحالي فترة إرتفاع في درجات الحرارة بشكل غير مسبوق ولقد صرحت بعض المواقع المناخية العالمية أن هذه الموجات الحرارية لم تسجل منذ تاريخ البشرية، الأمر الذي أدى إلى تحذيرات رسمية من أن البشرية أصبحت ليس ضمن مفهوم التكيف المناخي بل تحت تهديد الحياة أو ما أطلق عليه "التهديد الوجودي".
جيولوجيا وبيئيا هناك مصطلحات علمية ظهرت مثل بداية فترة الانقراض السادس في تاريخ الأرض ولكن هذه المرة ليس بسبب الدورات المناخية كما حصل في الانقراضات الخمس السابقة ولكن بسبب التأثير البشري في التغيرات المناخية وزيادة غازات الاحتباس الحراري ولربما لتأكيد الحدث أطلقوا عصر جيولوجي جديد أطلق عليه العصر الجيولوجي البشري "الانثروبوسين".
إن هذا الارتفاع في درجات الحرارة دفع بالأمين العام للأمم المتحدة غوتيرريتش إلى إعلان بداية عصر الغليان العالمي, وهو ما يعرف لغويا بالقيظ (الحم الشديد) وليس الحر الساخن لتأكيد تسجيل أعلى درجات حرارة عالمية منذ بداية التاريخ البشري
إن من الأدلة العلمية على الغليان العالمي هي زيادة تراكيز الغازات الدفيئة بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري، التي تسبب تراكم الحرارة بالقرب من سطح الأرض إذ أنه منذ الثورة الصناعية، تراكم حوالي ١,٦ تريليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما تسبب في ارتفاع درجة حرارة العالم بنحو ١,٢ درجة مئوية منذ عام ١٨٥٠م، وتضاعف تركيز غاز الميثان بنسبة ١٠٠٪ ، إضافة إلى التراكيز المرعبة للغازات الدفيئة الأخرى مثل أكسيد النيتروز وبخار الماء والأوزون والكلوروفلوروكربون.
ولعل حرائق الغابات تتصدر مشهد التغيرات المناخية خلال هذا الصيف حيث شهدت دول حوض البحر الأبيض المتوسط منذ أسبوعين موجة من الحرائق في الجزائر واليونان وتونس وسويسرا دمرت آلاف الهكتارات من الغابات وذهب ضحيتها العشرات من المواطنين ورجال الإطفاء وأيضا تحطمت طائرتي إطفاء في اليونان, وتعزى هذه الحرائق إلى ارتفاعات قياسية في درجة الحرارة بشكل غير مسبوق في العالم.
و ربما لابد من التركيز على مؤشر النجاة للأنظمة البيئية ويتوجب علينا أن نتساءل عن النتائج السلبية التي ستجنيها البشرية بسبب الغلو في أرباح الصناعات والتكنولوجيا بحيث تدفع مقابل الأرباح خسائر في الأرواح والمقدرات الصناعية.
هناك من يحاول أن يفسر الوضع بالاعتيادي ويستخدم ظواهر مناخية مثل ظاهرة النينو الاسنوائية في المحيط الهادئ على أنها سببا في هذا الاحترار. وهنا وجب توضيح ظاهرة النينو أو التذبذب الجنوبي أنعا معروفة منذ مئات ان لم يكن آلاف السنين ورغم حدوثها قديما إلا أنها لم تصحب بدرجات حرارة مثل التي تشهدها اليوم.
وثمة نقطة لابد من توضيحها أن البعض فسر ارتفاع درجات الحرارة الأرضية نتيجة للوضع الفلكي لموقع الأرض في منازل الصيف الحارة حيث قسموا "مربعانية القيظ" إلى ٤ فترات ساخنة مدة كل فترة منها يمتد فترة ١٣ والتي تنتهي بظهر نجوم رأس كوكبة الجوزاء أو ما يعرف الجوزاء الاولى (الهقعة ٣/ ٧) ثم بعدها تاتي "جمرة الصيف" والتي تسمى الجوزاء الثانية (الهنعة) فترة الذارع او (المرزم) يتبعها الكيبين واخر منزلتين هما من منازل الشعرى اليمانية والشامية من كوكبة الجبار والتي تقرب فيها الارض من الشمس ولكن ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها في مثل هذه الفترات من السنة يؤكد أن السبب الرئيسي هو بشري وبفعل التغيرات المناخية.
واخيرا بعد دق ناقوس الخطر أصبحت البشرية تحت مطرقة وسندان خطر الأمراض والموت الجماعي لآلاف الضحايا في شمال الكرة الأرضية وكندا وأمريكيا بسبب موجات الحر والحرائق والكوارث العديدة الأخرى فإن التساؤل المشروع هو من المسؤول عن سوء إدارة البيئة الأرضية وقيم العدالة المناخية رغم كثرة المؤتمرات العشرية والسنوية بدءا من اجتماع ستوكهولم عام ١٩٧٢ مرورا بمؤتمر الأطراف COP-27 في شرم الشيخ والاجتماعات التي لم تجدي نفعا في إيقاف التغيرات المناخية فهل ننتظر بصيص أمل ونحن على عتبة عقد مؤتمر الأطراف - ٢٨ والذي سيعقد في دبي في كانون الاول من هذا العام . ام ان هذا التطور النوعي بسبب زيادة استخدام الوقود الأحفوري سيعيدنا إلى العصر الحجري وليس التقدم في عصر الذكاء التكنولوجي .. ماذا ننتظر بعد !!؟؟