في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة استقدام المزيد من التعزيزات لقواتها المحتلة في قواعدها المنتشرة في الشرق السوري, خصوصاً في حقّليّ «العمر» النفطي و«كونيكو» الغازي، اكد مراقبون ميدانيون قاموا برصد هذه التعزيزات التي تعكس من بين أمور أخرى, رغبة أميركية واضحة بتسخين ميادين المواجهة مع روسيا ومع الحكومة الشرعية في دمشق، أنها - التعزيزات - مُتنوعة اذ تم نصب أنظمة صاروخية وأخرى ذات صلة بالحرب الإلكترونية فضلاً عن الكاميرا الحرارية وأنظمة صواريخ هيمارس (التي استطاع الجيش الروسي تحييدها وشلّ قدراتها في أوكرانيا),?ناهيك عن حشد المزيد من منتسبي الجماعات المُسلحة, التي عمل الأميركيون على تدريبها وتمويلها وتوجيهها, ليس فقط كي تُشكّل خطاً دفاعياً عن القواعد الأميركية, سواء في قاعدة التنف على مثلث الحدود الأردنية العراقية السورية, أم خصوصاً في دير الزور والبادية السورية وحقول النفط والغاز في شرق سوريا.
نقول: في وقت كهذا تروج شائعات بل وتعززها تحرّكات أميركية تروم «قضمَ» مناطق حدودية مع العراق. تقول أوساط مُتطابقة عراقية وأخرى سورية أنها تهدف قطع ما تصفه واشنطن طريق الإمدادات الإيرانية للفصائل المتحالفة معها, سواء في سوريا أم خصوصاً في لبنان (حزب الله). وهو هدف اميركي مُعلن وقديم, لم يكن احتلال قاعدة التنف سوى إحدى تجلياته والتي تمثلت في اقامة منطقة محظورة نصف قطرها 55كم, فضلاً عن الغارات الأميركية و(الغربية.. الفرنسية والبريطانية التي يقيم أفرادها وعتادها وطائراتها في القاعدة ذاتها), التي استهدفت المنطقة?الحدودية العراقية السورية. حيث «الخطّ» الذي يربط طهران (عبر العراق) بكل من دمشق وبيروت, على ما دأبت واشنطن الترويج له والعمل على «قطعِه», بذريعة أنه يُمكِّن إيران من توسيع نفوذها وتحقيق حلمها الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط وتقوية حلفائها في دمشق وبيروت/حزب الله.
هنا تحضر الروايات الأميركية المُفبركة, حيث تحاول واشنطن تبرير احتلالها للأراضي السورية, بذريعة محاربة الإرهاب. فيما هي ترعى عملياً وميدانياً الجماعات الإرهابية المختلفة ومن بينها داعش, الذي تزعم أنها تحاربه وتزعم أنها صفّتْ زعيم هذا التنظيم تارة, وأَحد قادته طوراً آخر, لنكتشف انها تكذب عندما يتبيّن أن «الضحية", هو مُجرّد راعي أغنام سوري بسيط.
ثمّة مأزق آخر يواجه التحشيد الأميركي الرامي إلى توتير الأجواء في الميدان السوري، إذ رغم عديد القوات الأميركية القليل نسبياً (يرشح أنه يتراوح بين 1500-2500عنصر), فإن «حليفتها «الرئيسية على الأراضي السورية, ونقصد قوات سوريا الديمقراطية (قسَد) لم تُبدِ حماسة تُذكر (بل قيل انها رفضت) المخطط الأميركي الرامي زجّها، في عملية تسخين الميادين السورية في البادية ودير الزور مؤكدة (قسَد) رغبتها التفرّغ لمواجهة قوات الاحتلال التركي, حيث يبدو انها/ التركية تستعد لاجتياح مناطق سيطرة (قسد), فضلاً عن فصائل أخرى يتقدمها «جيش?سوريا الحرة» وميليشيا «الصناديد", التي تُشكل قبيلة شمَّر العربية قوامها الرئيسي, بعد تحالفها مع المحتلين الأميركيين وقوات قسد الانفصالية بزعم محاربة داعش.. ما يُبقي فقط على بعض الفصائل والميليشيات التي شكّلها ودربها ويواصل تمويلها وتوجيهها المحتل الأميركي وهي في عديدها المتواضع نسبيا لا تمنح المخطط الأميركي التصعيدي أفضلية وازنة, إذا ما وعندما تندلع المواجهة بين قوات الاحتلال الأميركي.. والقوات الروسية والسورية والفصائل المتحالفة معهما.
من هنا تبدو احتمالات المواجهة الأميركية – الروسية والسورية والقوى الحليفة, هذه الأيام واردة أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط بعدما شهدت الأجواء السورية احتكاكات (خشنة وغير مِهنِية وِفق التعبير الأميركي) بين الطائرات الأميركية المُقاتلة والمُسيّرة وتلك الروسية, بل خصوصاً مع إرسال طائرات F-16 إلى دول قريبة من سوريا, مُلوحة بذلك الى احتمال قيامها بشن غارات جوية على مواقع واهداف سورية, حال حصول ما وصفته «أي تصعيد» ضد القوات الأميركية على الأراضي السورية.
في السطر الأخير.. يصعب تجاهل الموقف التركي المُتذبذب بل المتراجِع بغطرسة, بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة, مقارنة بـ"الاستعداد» الذي عبّر عنه الرئيس أردوغان (قبل الانتخابات), سواء الاجتماع بالرئيس السوري, أم خصوصاً تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. إذ برز قبل يومين موقف تُركيا «الحقيقي", الذي ربطت فيه الرئاسة التركية (على لسان مدير الاتصالات فيها فخر الدين التون) ربطت فيه تطبيع العلاقات مع «النظام السوري» وإحراز تقدم مع «بشار الأسد", بتحقيق «نتائج» ملموسة في مكافحة الإرهاب(..), مُضيفاً أن «تركيا ?نخرطت مع النظام السوري «في المحادثات الرباعية", دون شروط مُسبقة وبحُسن نية, – مُؤكداً – أنَّ «على النظام التصرّف بالطريقة نفسها, حتى تؤدي هذه العملية إلى نتيجة. معتبراً ان إصرار دمشق على انسحاب القوات التركية من سوريا في هذه المرحلة «لا معنى له", لافتاً ومؤكداً إلى أن وجودهم هناك هو «ضمانة لسلامة أراضيهم» (كذا).
هنا ــ كما تُلاحِظون ــ يلتقي الأميركان والأتراك في الهدف والمقاربة وإن اختلفت الذرائع.