من الواضح أن الأحزاب غالية جدًا عند الحكومة وما وراء الحكومة، ولذلك تبذل جهودًا واسعة للترويج لها، ليس أقلها جهد دولة الرئيس ، والإعلام والبرامج وكتاب الدولة ومنافقوها ، ولا التأكيدات
بأن المخابرات أعلنت دعمها للأحزاب، وأقسمت أن لا تعاقب حزبيّا كما اعتادت، ولكن الدولة برمتها تريد أحزابًا!
طبعًا، الشعب ذكي، ولسان حاله
يقول: من تركنا نعاني من عشرات المشاكل ولم يحلها؛ لماذا يريدنا أن نتحزب الآن؟ ما اللعبة الخفية وراء ذلك؟ وهل أن نشر الخير والفضيلة هما وحدهما يحركان الدولة لخلق الأحزاب؟
كلكم يتذكر التاجر البغدادي
الذي اشترى "خُمُرًا" ملونة للنساء، نفقت جميعها بإقبال
لا نظير له، فهي جميلة كلها،
لكنّ اللون الأسود من الخُمُر لم
ينفق! يعني ما ناسب الناس وجد إقبالًا، وما لم يناسب كان بضاعة
كاسدة! ولذلك خططوا لحملة إعلانية ضخمة فذهبوا إلى الشاعر "الدارمي" والشاعر في ذلك الوقت كان الإعلامي الأول أو " وزير إعلام المجتمع"! وطلبوا الترويج للبضاعة الكاسدة؛ فقال الشاعر:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلتِ براهبٍ متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه
لا تخذليه بحق دين محمد!
وفي دقائق ، نفِدت البضاعة الكاسدة كلها !!
هذا هو "الترويج" والترويج ليس حكرًا على المخدرات، فكل ظلم
وعيب ونقص وانحراف يحتاج ترويجًا! الشاعر الدارمي كان مبدعًا وليس مُروّجًا، ولذلك نجح!
لكن "دارميي " الأحزاب وهم الساسة والمسؤولون ، وكتّاب الحكومة، وانتهازيو الأحزاب، وشاغلو المقاعد المحجوزة لم "يفلحوا" كما فعل "الدارمي" الأصلي! فالأحزاب كالوظائف أو كبعض التخصصات كما أسماها دولة الرئيس، ورئيس ديوان الخدمة بأنها راكدة.
وكالعادة؛ كان" دارميّو" الحكومة فاشلين، فلم ينجحوا في الترويج لبضاعة حزبية راكدة!!
سمعت "دارميًا" حكوميًا مزيفًا يقول للشباب: إنّ تشكيل الأحزاب أمر سهل، وإن بإمكان أي شاب أن يشكل حزبًا من غرفة نومه أو من المطبخ!! نعم هذه نظرة السلطة للأحزاب!! طبعًا لن أعلق على حكاية غرفة النوم الحزبية ولا المطبخ الحزبي، بل أعدّ ذلك زلّة لسان!! لكن أعلق على النظرة الرسمية للأحزاب! فما نعرفه أن الأحزاب تنشأ في مواقع نضالية: ساحات نضال، أزمات، تحديات وطنية، مفكرون، تغييريون ، أصحاب رؤى، مناضلون…..إلخ.
هذه هي الأحزاب الحقيقية التي ملأت العالم العربي، وأنهكتها السلطات، وملأتها بِ:"لا شعور" الرعب والخوف والحرمان من السفر والسجون، والعزل… إلخ.
هذا اللاشعور يحتاج إلى" دارميين " مبدعين ، لا دارميي المطابخ وغير المطابخ ، ولا حتى أعظم مهندسي العالم!!
نصيحتي: اتركوا حكاية الأحزاب، واكتفوا بما حصدتم من شباب
حزبي قد يتخلى عن حزبيته
حين يكتشف المعنى الحقيقي للنضال الحزبي!