تعد الاغنية الشعبية أحد مرتكزات التراث الشعبي الذي يلعب دورا مهما في صياغة الشخصية الوطنية والحفاظ على هويتها ، ولذلك حرصت شعوب العالم شرقا وغربا بتراثها واغانيها الشعبية حفاظا على مقومات هويتها في مواجهة اي تحديات تزلزل بقاءها ، خاصة في زماننا الذي يهددنا بالذوبان في ثقافات بعيدة عن هويتنا العربية
اهتمت دول العالم بدراسة مقومات تراثها لتحليله ونقله للاجيال تحت مسميات مختلفة منها الفلكلور ، والانثربولوجيا وغيرها ، وساهم الاعتناء بالتراث الشعبي في الحفاظ على هويات الشعوب خاصة في فترات الحروب ، مثلما فعلت ألمانيا في القرن ال 18 خلال احتدام الصراع في أوربا ، ومثلما قاومت فنلنده بتراثها الشعبي ضياع هويتها خلال احتلالها من قبل السويد وروسيا
واهتمت أمريكا بدراسة التراث الشعبي و حفزت شبابها للقراءة عن آلهة بلاد الشمال و أساطير الإغريق والرومان
ايضا اهتمت كل دولنا العربية بالحفاظ على مورثها الشعبي والغنائي ومنها الأردن، من خلال العديد من جمع هذه التراث وتوثيقه حفاظا عليه من الاندثار ، واصدار المئات من الكتب حوله والدراسات المتخصصة
وهذا الجهد في توثيق هذا الموروث الشعب والغنائي منه لا يزال يتواصل عبر جهد ممن يخلصون لهذه الفنون ويؤمنون بدوره في حماية الهوية الوطنية ، وتعزيز روح المواطنة و المحافظة على القيم الثقافية والأخلاقية للمجتمع الاردني
ويأتي كتاب “ الاغنية الشعبية الاردنية” لمؤلفه الباحث الدكتور أحمد شريف الزعبي ، ضمن عنايته الشاملة بالموروث الشعبي الاردني بعامة واخلاصه لهذا الميدان الذي يشكل حلقة وصل للاجيال المتعاقبة ، ويربط جيل تكنولجيا الذكاء الاصطناعي بجذورهم وروافدهم الثقافية والحضارية الأصيلة
قارئ هذا الكتاب ومنذ الوهلة الاولى يشعر بنسمات هواء منعشة ترطب على قلبه وروحه في يوم قائظ الحرارة ، حيث استطاع المؤلف ان يأخذنا باسلوب سهل بسيط وراقي ، من مجرد القراءة الى المعايشة لهذا الارث الشعبي الغنائي والثري ، فيتملكنا الحنين المتواصل لجذور الهوية الاردنية حنين الاشجار للمطر وحنين الطفل لأمه وحنين العصافير لاعشاشها اذا ما حلقت بعيدا عنه لبعض الوقت
هذا الجهد المبذول بالكتاب ، يمثل انعاشا قويا للذاكرة الجمعية الاردنية واحياؤها عبر الاغاني الشعبية وآلاتها التي حافظت على حياتها من الاندثار مثل الشبابة والمجوز واليرغول والربابة وغيرها خضوعها خضوع العاشق لعازفيها في هرموني الاغاني لتعبر عن الافراح والاتراح والاعتزاز بالوطن
مقدمة الكتاب تتناول مكونات الأغنية من كلمات والحان وصفات وتعريفاتها المتعددة لدى الباحثين المتخصصين الاجانب والعرب ومنها تعريف د. هاني العمد للأغنية الشعبية بانها كل ما يغنيه الشعب سواء هو مبدعها أو جاءت من الخارج
تبرز أهمية الاغنية الشعبية الاردنية ، وكما يقول المؤلف ، في تجسيد ملامح الهوية الاردنية بطابعها الفلاحي والبدوي ، وسهولة انتقالها للاجيال عبر ترديدها في المناسبات الخاصة بها ، وتنوعها بين الريفي كأغاني السامر والهجيني والشروقي وبين الدلعونا والميجانا في البادية ، والربيج الذي قد يتصل بالحرب
وعكست الاغاني الشعبية بالاردن التحولات الاجتماعية بانتقال اهل الريف والبادية الى المدينة ومشكلاتها من ازمات اقصادية عبر عنها الشعر الشعبي بمثل هذه الابيات :
قالوا قعود البر سهل ...... قعود المدن مامنوش
شور الحرمة ع الرجال ......
مثل اللي راحوا وما جوش
لن قلت ما بيك أديك ...... خالك عمك مامنوش
حرقة بيك ليا حسين ....... لحقت لبيع الطربوش
يرصد المؤلف مجالات الاغاني الشعبية الاردنية بمناسبات كمدح الوجهاء وأغاني الفخر والاستغاثة لنزول المطر والهدهدة للاطفال والطهور والعمل والاغاني الدينية وغيرها
عبر فصول الكتاب البالغة اربعة عشر فصلا يشرح المؤلف ألوان الغناء الشعبي بالاردن كالشروقي والهجيني والعتابا وظريف الطول والجفرا والدبكة ، والموسيق الشعبية الأردنية ، الدلاعين ، والحداء المغني من بحر مجزوء الرجز اوالذي حافظ على شكله عبر القون ويغني بالافراح مثل “ عريسنا “
عريسنا زين الشباب ......
زين الشباب عريسنا
وياشمس طلي من السما
ع الارض في غنا عريسنا
وكذ السمر المسامرة حيث الحديث ليلي والرقصات البدوية المرتبطة بهو المسماه بالسحجة وغيرها من الالوان الغنائيةالشعبية
واعتمد المؤلف في كتابه على منهجية جمع الاغاني من الرواة والمغنين بالافراح الاصدقاء والمراكز والمقابلات الشخصية
ورصد الكتا…