مدار الساعة - ليث الجنيدي/ الأناضول - من قرية نائية في محافظة الكرك، جنوبي الأردن، كانت انطلاقة صلاح العقبي صوب العالمية، من خلال صناعة الطباشير، إذ تصل منتجاته إلى 150 دولة، ينافس فيها كبريات الدول المصنعة لهذه المادة.
العقبي (50 عاماً)، لم يترك حلماً بدأ يخطط لتحقيقه عام 1995، وكان يعيش معه في كل لحظة من لحظات حياته، إلى أن بلغ الهدف عام 2003، لينشأ مصنعاً للطباشير، ويصبح بعد ذلك بسنوات قليلة في مصاف الدول المصدرة له، ويكتب اسمه على قائمة منتجيه.
"منذ طفولتي، لا أقبل إلا بأن أكون الأول في كل شيء".. بهذه الكلمات استهل صلاح حديثه لمراسل الأناضول، خلال زيارته بمصنعه في المدينة الصناعية بمحافظة الكرك، ولسان حاله يقول: "لولا إصراري لما تحقق نجاحي".
أسلوب صلاح في الكلام، كان أشبه بمن يقرأ رواية ويحاول التركيز في أدق تفاصيلها، كي لا يشتت ذهنه في الوصول إلى نهايتها، في محاولة واضحة لبيان أهم اللحظات والصعوبات التي واجهته للوصول إلى هدفه.
العقبي من عائلة ممتدة، وهو الابن الأكبر لوالديه في أسرة مكونة من 23 أخا وأختاً (16 ذكراً و 7 إناث)، وهو حاصل على الشهادة الجامعية بتخصص الهندسة الكيماوية من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية (حكومية) عام 1994.
القدر كان أقوى من كل الظروف، وأرادت قدرة الله أن يحيا صلاح إلى يوم يصبح فيه من أهم الأسماء على مستوى العالم في مهنته، رغم تعرضه لثلاثة مسببات كادت أن تودي بحياته في طفولته، وفق ما يروي للأناضول.
يقول صلاح: "تشكلت شخصيتي من والدي ووالدتي، فوالدتي تتصف بالطيبة، ووالدي لا يعرف المستحيل، لذلك يراني البعض بأنني انطوائي".
مرّ الخمسيني الأردني بظروف معيشية صعبة، فبدائية الحياة في قريته، وعمل والده في مهنة البناء، حال دون تمكنه من الاطلاع على تطورات الحياة، أسوة بأقرانه في المدن، لكنه لم يفقد الأمل ولم يعدم الوسيلة.
استذكر صلاح خلال حديثه موقفاً كان هو الدافع الرئيس له لتحقيق النجاح، حيث قال: "جاء والدي إلى المدرسة وأنا في الصف الأول، ونظر إلى علامتي وكانت ملامحه تبين بأنه غير راضٍ عنها، ومنذ تلك اللحظة، قررت بأن لا أحيد عن المركز الأول في المدرسة وبالجامعة".
وتابع: "بعد أن تخرجت من الجامعة بعام واحد، وتحديدا عام 1995، عملت في شركة الكربونات الأردنية كمهندس إنتاج براتب 142.5 دينارا أردنيا (200 دولار)".
وزاد "في يوم من الأيام، سمعت المدير العام يتحدث في مقابلة على المذياع عن مادة تنتجها الشركة، وتعتبر مادة خام لصناعة الطباشير".
وقبل أن يكمل حديثه في بيان التفاصيل، قطع كلامه قائلا، وبأسلوب ينم عن الفخر "أنا حاليا أكبر زبون لهم".
ومضى "عملت بعد ذلك بشركة أخرى، ولكن الموضوع بخصوص الطباشير لم يغب عن بالي لحظة واحدة، ثم انتقلت إلى العمل في شركة البوتاس الأردنية (حكومية)".
وأردف "كان العمل بالبوتاس فرصة لي لتحليل إصبع من الطباشير، للتأكد من تفاصيل تصنيعه ومكوناته".
وزاد "تأكدت من كلام مديري السابق بشأن المواد، وبدأت الفكرة تكبر يوما بعد يوم، ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة، فوضعنا المعيشي لم يكن يصنف حتى كفقراء بل دون ذلك".
وأضاف: "كان في الأردن 3 مصانع للطباشير، ولكنها لم تستمر وسرعان ما أغلقت، فقررت زيارة أصحابها والالتقاء بهم، لمعرفة الأسباب وراء ذلك".
وأردف "تزوجت عام 2001، وأخبرت زوجتي بأنني سأقفز في الهواء، إما أن أنجح وإما أن أفشل، وأخبرتها بتفاصيل المصنع".
واستطرد "أخبرتها بأنني لست جباناً، وقلت لها سأخوض المعركة".
وأوضح "تعلمت من أساتذتي بالجامعة أهمية كتابة خطة العمل وعدم الاكتفاء بتخيّلها، وبالفعل أعددتها بدراسة فنية، وجدوى الموضوع، وأماكن البيع، والأهم هو كيفية الحصول على التكاليف".
وبأسلوب يؤكد أهمية التخطيط قبل العمل، أكد صلاح "لا أقبل أن أبني حياتي على انطباع، وإنما على دراسة، وبدأت البحث عن ممول، إلى أن حصلت على قرض مالي من إحدى المؤسسات بقيمة 30 ألف دينار (42 ألف دولار)، وتوجهت إلى بريطانيا لشراء الماكنات".
ولفت "فتحت مصنعي وحلم حياتي بالقرب من منزل والدي، وبدأت العمل مع اثنين من إخواني عام 2003".
وأردف "في ذات العام، طرح عطاء من قبل وزارة التربية والتعليم، وكانت قيمته حينها 70 ألف دينار (98 ألف دولار)، وتمكنت من الحصول على ربعه فقط، بدعوى أنهم يريدون تجربتي".
ووسط أسف بدا على وجهه، قال صلاح: "في العام التالي (2004) طرحت الوزارة عطاء وغيرت المواصفات المطلوبة وبأن تكون نوعية الطباشير بدون غبار، وكان من ينتجها فرنسا وكوريا الجنوبية فقط، واعترضت على ذلك ولكن بدون نتيجة".
وبين "لم أتوقف عند ذلك، وقررت البحث عن الماكينات التي تنتج ذلك النوع من الطباشير، وبالفعل وجدتها بذات المواصفات لدى شركة ألمانية، بقيمة 2 مليون يورو، وهو مبلغ كبير حينها ولا أقدر عليه".
"اضطرت للبيع في الأسواق المحلية، وكانت القيمة متدنية جداً، ولا تغطي التكاليف"، صلاح متابعاً.
الإصرار على بلوغ النجاح وتحقيق الهدف، دفع صلاح وأحد أشقائه إلى تنفيذ آلاف المحاولات، للوصول إلى طباشير بدون غبار، ليتمكن من ذلك عند المحاولة رقم 2149 عام 2006، كاسراً بذلك احتكار هذا المنتج على فرنسا وكوريا الجنوبية.
أصبح المهندس الأردني بعد تحقيقه لتلك النتيجة يبحث عما يظهر ذلك للعالم، ليشارك في أكبر معارض القرطاسية في ألمانيا، منهيا مشاركته تلك بالحصول على 13 طلباً من 13 دولة، وبهامش مبيعات إجمالي قدره 700 ألف دينار (985 ألف دولار)، عام 2007، وارتفع العدد إلى 40 دولة في العام التالي.
زاد الإنتاج وارتفعت الأرباح، ليقرر صلاح بعد ذلك نقل المصنع إلى مكان أنسب، وجرى ذلك بالفعل، وتحول صلاح إلى "مليونير"، على حد قوله، واستمر بالعمل والتطوير، واستحداث الماكينات عاما بعد عام، لتصل منتجاته عام 2012 إلى 120 دولة.
صلاح كان يتفاخر بأسلوب إدارته لمصنعه وبالنمط العشائري القبلي في محافظته، وابتكر قانون عمل خاص أسماه "قانون العمل الأردني الكركي"، يسمح من خلاله للأخ بأن يسد مكان أخيه في غيابه، ويقبل إجازة العامل من شيخ القبيلة كما المراكز الصحية والمستشفيات، إكراماً وإجلالا لهم.
تصل منتجات صلاح اليوم إلى 150 دولة بالعالم، ولكنه لم يخفِ امتعاضه من أسلوب التعامل الرسمي معه في بدايات عمله، ومحاولات إحباطه، إلا أن في الوقت ذاته، أكد "مهما حاول البعض تحطيمك، ثق تماما بأن الله أكبر من الجميع، فغاب المسؤولون جميعاً، إلا أن الملك عبد الله هو من حضر، وشرفني بزيارته عام 2012".
وقال: "المصنع الآن بمساحة 7500 متر مربع، وعدد العاملين فيه 150 شخصا، وأضفت لمنتجاته المعاجين والألوان، وإنتاجه 50 بالمائة من إنتاج العالم للطباشير".
وبسؤاله عن مستوى الإقبال في ظل التطور الحاصل والاعتماد على الألواح البيضاء والذكية، كشف صلاح، أن "الدول التي تستخدم الطباشير للمدارس 15 دولة في العالم فقط".