ثمة عدة إستراتيجيات للتعامل مع سورية بحسب تسارع الأحداث بالانفتاح عليها وإعادتها لإطارها العربي الإستراتيجي الطبيعي. هناك إستراتيجية دول الخليج، بالتحديد السعودية والإمارات، التي تستند إلى أن إعادة سورية للعرب وتطبيع العلاقات معها، يخدم توجها إستراتيجيا رئيسا، وهو إبعادها عن إيران وتوفير بديل عربي لها، وهذا الأمر في قناعة هذه الدول هو الهدف الأهم تحقيقه، ويصب بمصالحها الإقليمية بصورة جلية. ثمة إستراتيجية مصرية داعمة لهذا التوجه، ومصر لذلك لم تكن إلا مع إعادة سورية للبوتقة العربية، وترى بهذا مصلحة لها وللإقليم وأمنه واستقراره. إستراتيجية أخرى مختلفة تماما ومعاكسة يتبناها المجتمع الدولي والولايات المتحدة، تقوم على أساس فرض العقوبات على سورية وتغليظها، فالعالم لا يمكن له أن يطوي صفحة ما حدث دون عقوبات لسببين؛ الأول، أن لدى هذه الدول رأيا عاما لن يقبل بذلك، والثاني، أن نسيان ما جرى سوف يشجع زعماء دول أخرى على ارتكابه، وهذا من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
الأردن السباق في هذا الأمر يتموضع بين هاتين الإستراتيجيتين لأسباب براغماتية وميدانية، ينتهج أسلوب الخطوة مقابل خطوة، التي كان لها الأثر الأكبر في تخفيف معارضة العالم للانفتاح على سورية، وشجع دول الإقليم للانفتاح والتطبيع معها. الأردن كان أول من بادر وفتح باب النقاش بضرورة وجود إستراتيجية عملية منتجة للتعامل مع سورية، وأن الاكتفاء بالعقوبات غير منتج، لا بل وسيزيد الأمور سوءا من حيث تصدير سورية لمزيد من المشاكل للإقليم والذهاب بمزيد من الخطوات باتجاه إيران. الأردن متضرر أساسي وكبير من جراء استمرار الأوضاع على ما هي عليه في سورية، وإذا ما أفضى الاشتباك الحالي مع سورية إلى لا شيء، فإننا سنعود للوراء باتجاه مزيد من القناعة بضرورة وأحقية العقوبات، وعدم جدية سورية في طي صفحة الماضي، والبدء من جديد بسياسات عقلانية براغماتية بعيدة عن غرور الانتصار أو عناد معدوم الخيارات.
بعيد عن كل هذا التباين بالإستراتيجيات في التعامل مع سورية، لا بد لصانع القرار السوري أن يعي أن لديه خيارات لا بد من حسابها بدقة، وأن مصلحة سورية المنهكة من الحرب أن ترفع العقوبات عنها، لا بل إن مصلحتها الأهم أن يكون هناك إعادة إعمار لسورية من قبل العالم ودول الإقليم، وهذا من شأنه أن يعيد سورية لعافيتها التي فقدتها بعد أن أعادتها الحرب والعقوبات عقودا للوراء. استمرار الضائقة الاقتصادية السورية الحالية ينذر بالسوء، وبثورات مرتدة وعدم استقرار، لذلك فكما كان التصميم على الانتصار بالمعارك الحربية، لا بد من العقلانية والانتصار بالمعارك الاقتصادية لأنها ليست أقل خطورة. مصلحة سورية أن تعود لعلاقات طبيعية مع العالم كما مع بعض دول الإقليم، والأردن جار وصديق يمكنه أن يساعد بذلك، وعلى قاعدة الشراكة والمنافع المشتركة، والأمل معقود أن يدرك صنّاع القرار السوريون ذلك.