رغم كل عمليات الإصلاح الاقتصادي التي سارت بها الحكومات، ونفذتها على مدار أكثر من ثلاثة عقود متتالية، إلا أن الاقتصاد الوطني بقي يعاني من اختلالات مزمنة باتت تشكل فعلاً تحدياً واستنزافاً للخزينة خاصة والاقتصاد عامة.
الأردن الذي نفذ ما يقارب العشرين برنامجاً من برامج التصحيح مع صندوق النقد الدولي، استطاع أن ينأى بنفسه عن الدخول في نفق مظلم، وأن يتنفس الصعداء، ويتجاوز التداعيات الإقليمية والدولية على اقتصاده الصغير، لكن بقيت الاختلالات تعشعش في هيكله، وأثرت في قدرته على التنافس في بعض الفترات واستغلال الفرص المتاحة بالشكل المطلوب.
تحديات وقضايا اقتصادية راهنة عدة يعاني منها الاقتصاد الوطني، وحلها لن يكون بالسهولة أو حتى ضمن برامج إصلاحية قصيرة المدى، بل هي تحتاج إلى برامج عابرة للحكومات والسنوات.
ومن تلك القضايا، التضخم والبطالة، حيث يعاني الأردن من معدلات تضخم مرتفعة نسبياً مقارنة مع مستويات الدخل (أقل من 5 %)، بالإضافة إلى معدلات بطالة عالية (22 %)، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد المحلي والقدرة الشرائية للمواطنين، ويزيد الأعباء المعيشية على شرائح واسعة في المجتمع من ذوي الطبقات الفقيرة والمتوسطة على حد سواء.
الدين العام، حيث يواجه الأردن تحديات كبيرة فيما يتعلق بارتفاع الدين العام الذي اقتربت مستوياته الكلية من حاجز الـ 114 %، مما قد يؤدي إلى تقييد قدرته على الإنفاق وتحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة، فالفوائد السنوية لخدمة الدين تستهلك أكثر من 1.56 مليار دينار، وهي تشكل حوالي 16 % تقريباً من الإنفاق العام للدولة، وهذا قد يتطلب من الحكومة أن تقوم بإعداد إستراتيجية وطنية لإدارة الدين بمشاركة مؤسسات الدولة الدستورية للحد من نمو الدين المتتالي.
التوظيف القليل وضعف النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز أفضل معدلاته خلال الـ15 سنة الماضية 2 %، وهذا يؤدي إلى عدم القدرة على التشغيل، مما يتسبب في نقص فرص التوظيف، خاصة بين الشباب، وضعف في الدخل الاقتصادي، مما يعيق تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة.
الاعتماد على المساعدات الخارجية، هي واحدة من أهم الأدوات التي يمكننا القول إنها كانت المنقذ الرئيسي للاقتصاد الوطني في السنوات العشر الأخيرة من الدخول في نفق مظلم، فمن المعروف للجميع أن الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتمويل مشاريعه التنموية وتلبية احتياجاته المالية، مما يعرضه لضغوطات مختلفة تحد من قدرته على التخطيط الاقتصادي الذي يسعى إليه، وهذه المسألة ليست وليدة فترة معينة، بل امتدت منذ تأسيس الدولة والاعتماد الأساسي على المساعدات في تمويل نفقات الخزينة، والذي استمر حتى الوقت الراهن.
ارتفاع أسعار الطاقة والموارد الطبيعية، حيث يعاني الأردن من ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف الموارد الطبيعية مثل المياه، مما يؤثر سلباً على تكاليف الإنتاج وتنافسية الصناعات المحلية.
عقبات التجارة الخارجية، إذ يواجه الأردن تحديات في تعزيز التجارة الخارجية وتنويع مصادر الدخل، حيث يعتمد بشكل كبير على عدد قليل من الصناعات والمنتجات للتصدير، بالإضافة لوجود عقبات دولية وإقليمية تقف أمام انسياب السلع الأردنية لأسواق دول عديدة، رغم التزام المملكة الكامل بتنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة، إذ إن السلوكيات غير المشروعة للعديد من الدول على أرض الواقع تشكل تهديداً وتحدياً صريحاً للسلع الأردنية في تلك الأسواق؛ بسبب ضعف منافستها الناتجة عن تلك السلوكيات غير المشروعة.
اللاجئون السوريون، حيث استضاف الأردن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين، وهو ما يشكل عبئاً اقتصادياً، إذ يوجد حوالي 1.68 مليون لاجئ في مخيمات خاصة بهم، بالإضافة إلى أعداد كبيرة منهم في معظم المدن والمناطق الريفية، مما زاد الضغوط على البنية التحتية والخدمات العامة وسوق العمل، خاصة في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تقديم الدعم الكافي للاجئين.
القضايا السابقة هي أبرز التحديات الراهنة التي تواجه المملكة، والتي تحتاج إلى حلول وإستراتيجيات لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الظروف المالية والاقتصادية للمواطنين.