كيف يمكن للأردنيين أن يستردوا عافيتهم الوطنية؟ لدي أربع وصفات سريعة، تصلح ان تكون عناوين أساسية لضمان انتقال بلدنا من الوضع القائم، بما فيه من أزمات وتراكمات ومخاوف، إلى وضع قادم أفضل، تشكل فيه عملية التحديث، بمساراتها الثلاثة، رافعة لبناء واقع جديد ومختلف أيضا، مع ملاحظة أن هذه الوصفات ستفقد قيمتها، إذا لم نأخذها «رزمة» متكاملة، بلا انتقائية، وبدون استفراد.
الوصفة الأولى : ترسيم المسارات وخطوط النفوذ والصلاحيات، أقصد -بالطبع- الفصل بين السلطات والإدارات، لكن بشكل عملي ومدروس، و بما يتناسب مع الحالة الأردنية، بدون مبالغة في التوقعات، هنالك مسارات سياسية وأمنية، ودينية واجتماعية واقتصادية، تتحرك عليها عجلات الدولة، وهي تشبه إلى حد بعيد مسارات النقل أو الطيران، وتحتاج إلى وضع خطوط وإشارات لكي يعرف كل مسار حدوده وصلاحياته، ويلتزم بها، هذا موجود بالدستور وبالقوانين، لكنه يحتاج إلى ترسيم عملي، أو توافق وطني، ينهي حالة الاشتباك والتزاحم، ويعيد لكل مسار نفوذه الطبيعي وصلاحياته، وحدود حركته.
الوصفة الثانية: تنظيم حدود التداخلات (التدخلات أيضا)، أقصد ان بين المسارات بعض التدخلات أحيانا، هذه تحتاج إلى عملية ضبط، بحيث تظل ضمن الاضطرارات فقط، كمثال ثمة تداخل بين السياسي والأمني، والسياسي والديني، والسياسي والاقتصادي، مما يستوجب فتح قنوات التنسيق والتكامل، بموجب تبادل المعلومات، و إدارة الاختلافات، لا فرض الأوامر والوصايات، أو سوء التوظيف والاستخدامات.
الوصفة الثالثة: تفعيل المحاسبة على المسؤولية، أقصد الحوكمة العادلة التي تتضمن وجود منظمومة واضحة للنزاهة والشفافية والمساءلة، تخرج من إطار التنظير، إلى إطار الممارسة الحقيقية التي تقنع الأردنيين بأنه لا يوجد احد فوق المساءلة، وأن الجميع أمام القانون سواء، هذه لا تتعلق، فقط، بقضايا الفساد والتجاوزات الإدارية وغيرها مما تجرمه القوانين، و إنما بأي قضايا تتعلق بالتقصير في أداء المسؤولية، أو الإخلال بواجبات الوظيفة العامة، أو ضعف الأداء السياسي، بما يتسبب عنه من اضرار بمصلحة الدولة.
الوصفة الرابعة: خروج نخب المجتمع من حالة الصمت والانفلات، أقصد أن إصلاح إدارات الدولة يجب أن يتزامن مع اصلاح نخب المجتمع التي تشكل «الرأس» لقيادة الجماهير، وإصلاح النخب يشكل رافعة لإخراج المجتمع من اليأس والإحباط، والشك واللطم، أو (اللاعقلانية ) في الطرح والتصور والسلوك، إذن واجب النخب «عقلنة» المجتمع، ولا تستطيع ذلك إلا إذا تجاوزت حالة الصمت واللا مبالاة، ثم حالة الانفلات والارتباك والفوضى.
إذا تحققت هذه الوصفات، يمكن أن نتحدث عن مضامين التحول الذي نريده، ابتداء من العدالة إلى الحريات العامة، إلى الانتعاش الاقتصادي، إلى الوئام الوطني، إلى المناخات السياسية المشجعة على الانخراط والمشاركة بالعمل العام، وصولا إلى مواجهة الأزمات والتحديات الخارجية، لكن يبقى السؤال الاهم : هل تتوفر لدينا، إدارات الدولة ونخب المجتمع معا، الرغبة والإرادة للسير في هذا الاتجاه ؟ أترك الإجابة للقراء الأعزاء.