لشد ما سرتني تلك الدعوة التي وُجِهَت لي من معهد الإعلام التابع لمديرية الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي والذي تم إنشاؤه حديثاً ، لإلقاء محاضرة في هذا اليوم الأحد 16 تموز 2023م حول الخطاب الإعلامي العسكري الأردني: المفهوم والثوابت والمرتكزات ، حيث ظهر هذا المعهد إلى الوجود بعدما كان حلماً راود مديري التوجيه المعنوي السابقين (التسمية السابقة) منذ أن تم عقد الدورة التأسيسية للإعلام العسكري في عام 2009م حينما كنت مديراً للتوجيه المعنوي آنئذ، فما كنا نجد المكان المناسب لعقد هذه الدورة الأولى ، وما كان أمامنا إلا أن نستغل ساحة شبه مغلقة في مبنى دائري من مباني صرح الشهيد التابع لمديرية التوجيه المعنوي قبل التأهيل الجديد لتصاميمه ومبانيه الحديثة، ولما كانت الغاية تعليمية تأهيلية لم يشكل المكان عائقاً ، وتمكنت لجنة من ضباط التوجيه المعنوي – واسمحوا لي أن أصفهم بالرائعين – لأنهم أوجدوا شيئاً جديداً من لا شيء على طريق تطوير وتحديث العملية الإعلامية الاتصالية العسكرية ، وصمموا على عقد هذه الدورة التي تشكل – من وجهة نظرنا - مرتكزاً لاستراتيجية إعلامية على طريق التطوير والتحديث في الفكر الإعلامي العسكري الأردني ، وتمكنوا من وضع المنهاج اللازم لأساسيات الإعلام ، حيث أن الدورة كانت تأسيسية ، وأذكر أن المنهاج تضمن مواضيع عدة في الإعلام وأشكاله ووسائله ونظرياته بشكل عام ، ومحاضرات في تاريخ الثورة العربية الكبرى والتاريخ العسكري للقوات المسلحة الأردنية ، ومحاضرات في العلاقات العامة الإعلام والحرب النفسية والعمليات النفسية وكيفية توظيف وسائل الإعلام العسكري والوطني لصالح خدمة الاستراتيجية العسكرية الأردنية التي تصب أهدافها العسكرية في بوتقة الأهداف والمصالح العليا للدولة الأردنية، واذكر أنه تم إشراك عدد لا بأس به من ضباط القوات المسلحة من الوحدات العسكرية الميدانية مع التركيز على حملة بكالوريوس الإعلام من هؤلاء الضباط الجامعيين ، كما استضافت هذه الدورة كما أذكر جيداً عدداً من ضباط الجيوش العربية الشقيقة ، وأذكر أن موازنة مديرية التوجيه المعنوي في تلك الأيام تكاد تكفي فقط لمتطلبات المديرية ، فكيف إذا أسند إليها واجب تدريبي تأهيلي جديد ، وكان المحاضرون والمدربون من ضباط المديرية مع توجيه بعض الدعوات لبعض أصحاب الاختصاص ، وبعض أصحاب المعالي وبعض الإعلاميين ممن لديهم خبرات في المجال الإعلامي والذين كانت استجاباتهم سريعة ، فلم يتوانوا في تلبية الدعوات لإلقاء المحاضرات في المجال الإعلامي في المشاركين في هذه الدورة ..
واستطيع القول أن مديرية التوجيه المعنوي نجحت - رغم شح الإمكانات وبخاصة المالية والتقنية - بتعاون ضباطها وأفرادها في اقتحام هذا المجال التدريبي في مجال تأهيل الضباط والأفراد للنهوض بالعملية الإعلامية العسكرية في قواتنا المسلحة الباسلة .
كما سرني هذا الحوار والنقاش والمداخلات خلال جلستين على مدى حوالي ساعتين حول مفهوم الضباط الدارسين للخطاب الإعلامي العسكري ، وغوصهم في تفاصيل الأفكار الإعلامية وعمق التفاصيل التي يمكن أن تتضمنها الأحاديث العسكرية أو صياغات الأخبار العسكرية أو عند عقد المؤتمرات الصحفية أو عند مواجهة العسكريين سواء أكانوا قادة أم غير قادة لمواجهة وسائل الإعلام ، وكيف يمكن للقادة العسكريين أن يوازنوا في أحاديثهم ومقابلاتهم الإعلامية سواء أكانت تلفازية أم إذاعية أم صحفية ( مرئية ، مسموعة ، مقروءة) بين إيصال الرسالة الإعلامية العسكرية وتقديم القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي كمؤسسة عسكرية حضارية متقدمة ومنفتحة على جمهورها المستهدف وعلى البيئة المحيطة بها على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية وبين الأمن الإعلامي للرسالة الإعلامية العسكرية التي قد تخضع للتحليل العسكري وبخاصة الاستخباري سواء أكان معادياً أم صديقاً أم محايداً ، وكيف يمكن توظيف وسائل وأساليب الإعلام العسكري بتنسيق وتوائم مع وسائل الإعلام الوطني الرسمية وغير الرسمية وبخاصة وقت حدوث الأزمات والحروب او وقوع عمليات عسكرية قتالية ، أو حتى في الأحاديث العادية حول الدور التنموي للقوات المسلحة / الجيش العربي في ظل بيئة تقنية وصلت إلى مستويات متقدمة من الإعلام والاتصال الرقمي ، وتمتاز بسرعة نقل الحدث ، وفي أحيان أخرى قدرة تقنية فائقة على فبركة الحدث وتوظيفه .
حقيقة أخذنا الحديث والنقاش والحوار على مدى أكثر من ساعتين، واعتقد أن الموضوع لم يوف حقه ، فهو يحتاج إلى تفاصيل حوارية أوسع وأشمل لتفهم الخطاب الإعلامي العسكري من حيث المفهوم والثوابت والمرتكزات ، بعد الحوار الذي كنت أظنه لن ينتهي لولا أن الساعة شارفت على الثانية بعد الظهر ، وأوقات برنامج المحاضرات قد شارفت على الانتهاء ، وما جلب انتباهي سوى وقوف ضابط التنسيق للدورة على منصة الحديث إيذاناً باختتام آخر فكرة للنقاش ، عندها قلت للدارسين : استميحكم عذراً لبعض الإطالة لأن الحديث شيق ، والحوار مفيد ... أنهينا جلستنا ، وما زلت أعتقد بأننا بحاجة أكثر لمزيد من العصف الذهني لإظهار المزيد من مكنونات وإبداعات الدارسين في مجالات العملية الإعلامية العسكرية ، وكيف ينظرون إليها ، بعد إنهاء الجلسة ، أخذني مدير المعهد في جولة على مرافق المعهد الفنية التدريبية ، وبالفعل حينما تجولت فيها ، حمدت الله أن استراتيجيات التطوير والتحديث في قواتنا المسلحة الباسلة ما زالت بخير وبوتيرة صاعدة بقوة لا تعرف التراجع ، وأن رؤى جلالة القائد الأعلى في التطوير والتحديث على كل الصعد العسكرية وفي كل الميادين والاختصاصات العسكرية تسير وفق استراتيجية متماسكة وخطط مدروسة ، حمى الله الأردن ومواطنيه وقواته المسلحة وأجهزته الأمنية في ظل الراية الهاشمية، وحفظ الله جلالة قائدنا الأعلى وسمو ولي عهده المين المحبوب.