يقال هذا المثل لمن يعمل شيئاً ولا يحسنه ، وتعود قصته لسعد بن مناه حيث كان له اخاً يدعى مالك وكان خبيراً في رعي الابل ، فانشغل مالك بزواجه فأوكل الى اخيه سعدٌ امر رعاية الابل ، لكن سعد لم يكن يعرف كيف يردها الماء ولم يُحسن رعايتها، فقال فيه اخوه مالك بيتاً من الشعر:
اوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا تورد الإبل يا سعد
ويبدو ان هذا ما انطبق على المعنيين بصياغة القوانين في بلدنا ، فهم موكول اليهم حسن الصياغة والضبط الجيد للمعاني وموائمة النصوص بما يتوافق مع القوانين الاخرى، والالتزامات التي التزمت بها المملكة دولياً من خلال الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية.
ولعل قصة المثل تتجسد في ما اورده المشرع الاردني في قانون الاحداث، فجميع المواثيق الدولية والاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة تلزم الدولة بمراعاة المصلحة الفضلى للطفل في كافة المجالات، الا ان المشرع ومن قبله الحكومة ممثلة بديوان التشريع والرأي المعنيون بصياغة التشريعات واقرارها ملزمون بموائمة هذه التشريعات مع ما التزمت به الدولة الاردنية من مواثيق ومعاهدات دولية.
وفي ذات السياق نجد أن المشرع الاردني عندما ادخل العقوبات البديلة الى منظومة القوانين الجزائية كبديل عن عقوبة الحبس قصيرة المدة بكافة صورها قد ضّمن ذلك في قانون الاحداث بما يحول وتحت أي ظرف من ايقاع عقوبة الحبس قصيرة المدة على الحدث، وذلك للقناعة التامة أن عقوبة الحبس قصيرة المدة تضر بمصلحة الحدث كونه لا يمكن خلالها ادخال الحدث في برامج اصلاحية لقصر المدة، كما ان هذه العقوبة تعرض الحدث للاختلاط بمكرري الجرائم واصحاب الاسبقيات، مما يضر بمصلحته ويؤثر سلباً على سلوكه مستقبلاً ، وكان من الاجدى تجنيب الحدث مثل هذه العقوبات واستبدالها بعقوبات مجتمعية بديلة، او ادخاله في برامج اصلاحية وتوعوية تُقوم سلوكه، وذلك للقناعة التامة أن الملكات الذهنية للحدث بسيطة اوقعته بالخطأ دون خطورة اجرامية متجسدة في شخصيته، الا اننا نجد وعلى النقيض من ذلك وبرجوعنا الى نص المادة 25 من قانون الاحداث الفقرة (د) نجد انها تنص { اذا اقترف الحدث جنحة تستوجب الحبس يوضع في دار تأهيل الاحداث مدة لا تتجاوز ثلث مدة العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات }.
وجاء في نص الفقرة (ه) من ذات القانون { للمحكمة ان توافرت اسباب مخففة تقديرية ، ان تستبدل بأي عقوبة منصوص عليها في الفقرة ( د) من هذه المادة أي من التدابير المنصوص عليها في المادة 24 من هذا القانون، وباستعراض نص المادة 24 نجد انها تتضمن التدابير غير السالبة للحرية ، كالخدمة المجتمعية والحاق الحدث ببرامج تأهيلية تنظمها الوزارة ، او الوضع تحت الاشراف القضائي .......الخ.
وبالتمعن نجد ان هذا النص يقتصر تطبيقه اذا كان الجرم المسند للحدث من نوع الجنحة، في حين ان المشرع وفي قانون العقوبات وفي المادة 25 منه اعطى وضعاً تفضيلياً للبالغ دون الحدث، حيث جاء فيها في الفقرة 2 { للمحكمة في الجنايات غير الواقعة على الاشخاص وفيما خلا حالة التكرار عند استخدام الاسباب المخففة والنزول بالعقوبة الى سنة أن تستبدل العقوبة المقضي بها، وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية ببديل او اكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة.
وبالمقارنة ما بين نص المادة 25 في قانون العقوبات والمادة 25 من قانون الاحداث، نجد ان المشرع قد راعى مصلحة الشخص البالغ فمّكن المحكمة من استبدال عقوبة الحبس المقررة للجناية بعد استخدام الاسباب المخففة التقديرية اذا لم تزد عن سنة بعقوبة بديلة دون ان يقرر ذلك للحدث، وكان الاجدى بالمشرع وعلى الاقل معاملة الحدث كمعاملة الشخص البالغ، وهذا الامر يجافي التزامات المملكة بالحفاظ على المصلحة الفضلى للحدث، ويخالف اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة في 24 ايار 1991 ، والتي جاء فيها بنص المادة الثانية منها { تحترم الدول الاطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون اي نوع من انواع التمييز........}.
وتأسيساً على ذلك نجد ان نص المادة 25 من قانون الاحداث الساري المفعول يخالف ما قررته اتفاقية حقوق الطفل، وكان الاجدى بالمشرع ان يعامل الحدث تشريعيا على الاقل معاملة الشخص البالغ، ويمّكن المحكمة وفي الجنايات ان تستخدم بدائل العقوبة السالبة للحرية اذا نزلت بالعقوبة الى الحبس سنة بعد استخدام الاسباب المخففة التقديرية كما قررت ذلك للشخص البالغ.
وخلاصة القول نجد ان المشرع قد اصاب في صياغة المادة 25 من قانون العقوبات واخطأ في التقنين، وبين هذا وذاك ضاعت حقوق الطفل.........! ؟؟.
هذا الامر في جُله امام اصحاب القرار على مستوى الوطن لتصويب الخلل واحداث المساواة ما بين الحدث والشخص البالغ تشريعياً وضمان حقوق الطفل، والارتقاء بمنظومتنا التشريعية الى مصاف الدول المتحضرة ومتطلبات المجتمع الدولي.