مدار الساعة - كتب: محمود كريشان
"لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ" قرآن كريم
"إللي في الرجال بنعد" مثل شعبي
من المؤكد أن القدر لم يشأ أن يتعرف حسين المجالي على والده رئيس الوزراء الأسبق الشهيد هزاع المجالي، الذي إغتالته العام 1960 قوى ناصبت الأردن العداء على مدى عقود، بدعوى مقولات وشعارات ثورجية زائفة، وإتهامات باطلة عفنة، راجت سوقها أواسط القرن الماضي، ليدفع "هزاع" حياته ثمناً لمواقفه الوطنية الشجاعة وتحمله المسؤولية وذلك يوم 29 آب 1960، في تفجير لمبنى رئاسة الوزراء، حيث لم يكن حسين "الإبن"، قد تجاوز من العمر يومها ثمانية أشهر، وقد رأى النور في 24 كانون الثاني 1960.
وعلى أثر غياب الأب، نشأ حسين في كنف أسرته الصغيرة، وكانت السيدة سميحة زوجة الشهيد، إمرأة ذكية وناضجة وواعية، حافظت على الإرث، فكان أن تعلم شقيقاه أمجد وأيمن، وإنخرطا في العمل الحكومي، متولّيَين المناصب الرفيعة، أما حسين، الصغير "آنذاك"، فقد أولاه الملك الحسين طيب الله ثراه عنايته ورعايته، وإهتم به إهتمام العم الذي يرعى أسرة أخيه بعد وفاته.
في العام 1981 نال حسين شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الولايات المتحدة، ثم وفي عام 1994 حصل على درجة البكالوريس في الإدارة العسكرية في جامعة مؤتة، ثم الماجستير عام 2000، وذلك أثناء إنخراطه في الجيش العربي الذي إلتحقَ به العام 1982، وخدمَ فيه مرافقاً عسكرياً خاصاً لسمو الأمير محمد بن طلال طيب الله ثراه، وقائداً للواء حمزة بن عبدالمطلب في الحرس الملكي الخاص، وآمراً للكلية العسكرية الملكية، وتدرج في الحرس الملكي الخاص، فكان قائداً لمجموعة الأمن الخاص لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، ومؤتمناً على حياته، بل إنه وعندما داهم المرض الملك الحسين، وذهب إلى مايوكلينك في الولايات المتحدة، كان حسين المجالي أقرب إليه حتى من بعض أفراد العائلة الهاشمية، كيف لا وهو رفيق أسفاره الذي لازمه كظله حتى توفاه الله تعالى.
بعدها كان المجالي حسين يبدأ حياة جديده بعد تقاعده من العمل العسكري، لينخرط في السلك الدبلوماسي، حيث تم إرساله سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية إلى مملكة البحرين وهناك في المنامة، كان أداؤه الدبلوماسي نموذجياً، حيث أمضى خمس سنوات كان خلالها من أنجح السفراء على الإطلاق، وأكثرهم نيلاً للإحترام والتقدير من القصر الملكي في المنامة ومؤسسات الدولة البحرينية، وقد وفّق المجالي بين متطلبات العمل الدبلوماسي بين البلدين الشقيقين، وبين إهتمامه بتطوير مجالات التعاون الثنائي في كافة المجالات، ولم يكن مستغرَباً أن يقلّده عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وسام البحرين من الدرجة الأولى، تقديراً له على ما بذله في الإرتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
وبعد العودة من البحرين صدر قرار تعيين حسين المجالي مديراً للأمن العام إعتباراً من العاشر من أيار 2010، وقد عبّر عن رؤيته لمهامه الجديدة برسالة رفعها إلى مقام جلالة الملك عبد الله الثاني، بعد أسبوع على مزاولة مسؤولياته، فقد تحدثت الرسالة عن بلورة إستراتيجية تضع في مقدمة أولوياتها مكافحة الجريمة، والمحافظة على أمن الوطن والمواطن، كما شددت على مراعاة أخلاقيات العمل الأمني وآدابه، مؤكدة الرسالة أن منطلقه الإحترام الكامل للمواطن والمحافظة على حقوقه والإلتزام المطلق بالشرعية وسيادة القانون بحزم دون غلظة أو تهاون.
"حسين باشا" الذي بدأ المهمة الكبيرة، وهو على يقين بضرورة تفعيل عملية تدريب وإعادة تأهيل كوادر الأمن العام، لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة، ليزخر جهاز الأمن العام بالكفاءات، وينضوي تحت لوائه مئات المحامين وحاملي درجات الدكتوراه والماجستير، ونجاحه يتحقق ليس في تطبيق القانون فحسب، رغم أهمية ذلك، وإنما في الإرادة السياسية والإدراك العميق لخط سيادة القانون، وتحقيق دولة المواطنة.
وقد إستطاع المجالي أن يحقق ذلك، بعيداً عن المحاباة والإسترضاء، وإذا نجح في التضييق على المجموعات الخارجة على القانون، والحيلولة دون ممارسة العنف على مجموعات أخرى دون وجه حق، فإنه يكون قد أسهم في شدّ البنيان وتثبيت أقدام الدولة، وكان صاحب رؤية احترافية مهنية متميزة في إدارة المشهد الأمني، وهو ما تجلى في الإحتجاجات التي شهدتها المملكة في ذروة الربيع العربي عام 2011، حيث نجح المجالي بتحقيق إنجازات فريدة وعديدة، خاصة في التعامل مع المشهد المتوتر بعقلية عسكرية ناضجة، وفكر أمني راجح، ما أسهم بقوة في الحفاظ على هيبة الدولة، وترسيخ الإستقرار والأمن على أرض الواقع، ولا ننسى شجاعة الباشا المجالي وإقدامه في القضاء على "الإتاوات" التي يفرضها المجرمون على المواطنين والتجار، ومداهمتهم في أماكن تواجدهم وتطهير البلاد من شرورهم.
ما نريد ان نقوله: أنه وعند الحديث العين حسين إبن هزاع المجالي، يقفز الذهن نحو الشخصية العكسرية الأمنية، كون "الباشا" قد جسدها طيلة مسيرته المهنية على مدى عقود، سواء في القوات المسلحة الأردنية أو الأمن العام، لكن الأمر الآن مختلفا، بعدما نجح الرجل في السياسة والدبلوماسية والحياة البرلمانية والشأن العام أيضا، كرجل دولة بطابع مدني سياسي، تزامنا مع إعتزازه الدائم بإرثه العسكري والأمني، أضف إلى ذلك أنه من الشخصيات التي تحظى بإحترام الأردنيين، خاصة وأنه لم يُزج بإسمه يوما من الأيام في منظومة الفساد، ليكون العنوان العريض للأمانة والنزاهة والإنتماء، والولاء المطلق لجلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الثاني.