انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

الدوار الثاني


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الدوار الثاني

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2023/07/16 الساعة 01:27
ما زلت أتذكر الدوار الثاني, في بداية التسعينات.. ونهاية الثمانينات.. كنا نمر من هناك كثيرا كي نجلس على الدوار, أمامنا كانت دائرة المطبوعات والنشر, وفي الشارع السفلي نقابة الصحفيين الأردنيين.. وكان علينا حين ننزل من الدوار الثاني باتجاه الأول, أن نمر في بيت أبو الراغب, وغرغور, والمرحوم جودت شعشاعة.. هي بصراحة لم تكن بيوتا بقدر ما كانت أماكن تمثل المعالم العمرانية والإجتماعية لعمان.
الدوار الثاني، كان يمثل الهدوء بكل تجلياته... كان يعني لقاء الناس على الأرصفة, كان يعني أيضا (الكسدرة) مع العائلة, وربما أن تأخذ فنجان قهوة من كشك صغير على الزاوية..
أمس ولحظة مروري بالدوار صعقت حين وجدت أن المنطقة امتلأت بالمطاعم, أنا لا اتحدث عن خبز الشراك والمناسف.. ولكني اتحدث عن مطاعم عربية انتقلت إلى عمان, عن ثقافات غذائية جديدة.. عن سيارات تعيق المرور, وعن أرتال بشرية... عن تكدس للأوراق, وعن أزمات يحاول رجال السير أن يخلصونا منها.
لقد جئت صغيرا إلى عمان, وأحفظها مثل كف يدي.. أحفظ منزل الرئيس أحمد اللوزي –رحمه الله – والذي كان شامخا على الدوار, أحفظ نادي الملك حسين في النزول المؤدي للدوار الأول, وأحفظ سيارة بهجت التلهوني وموكب حابس المجالي, ودخول محمد باجس.. أحفظ رجالات الحرب والنصر وأحفظ زمنهم.. ما زالت أحفظ الكلية العلمية الإسلامية ومسجدها الذي كنا نصلي به والموجود بجانب الدوار, ثم ننطلق منه إلى صالون الحرامي.. الذي كان يأتيه الناس من كل زوايا وحارات عمان, وبجانبه بيت الرمان...
عمان كانت صغيرة ولكن القلب كان أوسع, وللأسف حين اتسعت ضاق القلب.. هل كان من الضروري أن نقوم بترس هذا الدوار بمشاهد للدجاج الذي يقلب على النار في (الشوايات).. لمراهقين تناولو (الشاورما) ولم يحترموا نظافة المكان, لتكدس السيارات.. لروائح لم تعد تليق.. لمشاهد تعني شطب ذاكرتنا.
أنا ومنذ أن كنت فتى في الإعدادية, هوايتي كانت الطواف في عمان.. كان يأسرني منظر الحجر الجميل الذي بنيت به البيوت, كانت تأسرني العائلات التي تجلس على الدوار وتتبادل الضحكات... من دون صخب أو تجمعات, كانت تأسرني السفارة اللبنانية.. الموجودة هناك ومشاهد الأشقاء من بيروت وهم يقفون على بابها منتظرين الدخول لأجل إكمال معاملاتهم... حتى أنني ما زلت أتذكر الخال عبدالله العتوم حين كان مديرا لدائرة المطبوعات والنشر, ويأتي في الصباح المبكر لعمله, ما زلت أتذكر حين كنا نزوره هناك على الدوار... ويصطحبنا لمطاعم عمان, ويحكي ?نا تفاصيل القوانين الجديدة والتعديلات التي ستطرأ عليها...
عمان تحتاج لدائرة تحمي الذاكرة فيها, أنا أعرف أن القوانين لا تمنع ترخيص مطعم هنا أو مطعم هناك.. ولكن الأعراف والمنطق تحتاج منا حماية ذاكرة الأردني, حماية المنازل والعائلات.. حماية الشوارع وما مر عليها, لهذا أنا أدعو إلى إعادة النظر في الدوار الثاني.. أدعو لتحويله إلى منطقة تراثية, لأن السطو الذي حصل عليه.. أدى إلى شطب التراث الإجتماعي والسياسي لصالح الربح المعوي...
كم أتمنى لو أن استطلاعا يجري لسكان المنطقة, حتى يقولوا كلمتهم في مسألة تحويل التراث والذاكرة إلى (شويات جاج)..و(سياخ شاورما).
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2023/07/16 الساعة 01:27