مدار الساعة - بركات الزيود - لم تمهل مركبات سير على طرقات الأردن مئات الأطفال الفرصة لتستمر الروح في أجسادهم ويملأون بالفرح بيوت ذويهم، فتعرضوا للدهس أو الصدم أو التدهور، وغادرت أرواحهم الحياة، وبقيت عائلاتهم مثقلة بالحزن والذكريات المؤلمة.
من يراقب قيادة المركبات في الشوارع الأردنية يجد كثيرا من الاستهتار الذي قاد إلى ارتكاب 11974 مخالفة خلال عام واحد، وتسببت بعدد كبير من الوفيات كان بينهم 300 طفل بين سن الولادة وحتى 15 عاما في عامين، حسب أحدث تقارير الحوادث المرورية الصادرة عن مديرية الأمن العام.
ورغم مرور 4 سنوات على فقدان ابنهم في حادث سير على أحد الشوارع الداخلية في الزرقاء، إلا أن طارق وحنان لا يستطيعان نسيان الكثير من التفاصيل، إذ يتذكران مليا كيف خرج عليهم سائق مركبة بسرعة جنونية، متجاوزا عن مركبة أخرى وصدمهم؛ ورغم أن ابنهم كان جالسا في المقعد الخلفي إلا أنه فارق الحياة.
ويتحدثان لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وهما يتذكران كيف كان السائق وسيارته المظلل زجاجها الأمامي، في مخالفة صريحة للقانون، معتبرين أن مثل هذه المخالفات وغيرها لو كانت فيها العقوبات مغلظة لما تجرأ على أن يتجاوز المركبات ويغير مسربه، معتبرا نفسه سائقا فذا ليأخذ بطريقة روح طفل ولولا لطف الله لكانت كل العائلة ضحية له.
ويشير تقرير الحوادث المرورية الصادر عن مديرية الأمن العام عام 2022 إلى أن 117 طفلا لقوا حتفهم بسبب حوادث السير على الطرقات، بينما كان العدد أكبر في العام الذي سبقه إذ توفي 151 طفلا، ليصبح عدد الأطفال الضحايا خلال عامين يقترب من 300 طفل.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد في مصير الأطفال الضحايا، فقد تسببت الحوادث بإصابة 7495 شخصا بإصابات متعددة خلال عامي 2021 و2022، كان من بينها 3847 ضحية بسبب حوادث الدهس.
الأرقام مفزعة جدا أيضا في إصابات الأطفال البليغة التي تعني أن المصابين أصبحت لديهم فعليا عاهات دائمة بعضهم لن يستطيع الوقوف من جديد، فتبين الأرقام أن 65 إصابة بليغة العام الماضي لأطفال، و37 وفاة لأطفال لم يتجاوزوا عمر العامين من ولادتهم.
وتوفي 17 طفلا خلال العام الماضي كانت أعمارهم بين 3و5 سنوات بسبب حوادث السير في الأردن، وتعرض 51 طفلا لإصابات بليغة، و306 إصابات متوسطة و238 بسيطة لنفس الفئة من العمر.
حوادث السير في الأردن، لا ترحم أحدا إذ فقد 31 طفلا بين 8 و11 سنة حياتهم بسبب حوادث السير، وأصيب 80 بنفس الفئة إصابات البليغة، وأكثر من 600 طفل تعرضوا لإصابات متوسطة.
تتشابه أحزان الأردنيين بنواتج حوادث السير ووفاة الأطفال لا تقل حزنا وألما عن وفاة الشباب، فقبل ثلاث سنوات أنهى سائق مجهول أحلام الشاب مالك محمد الشديفات بالحياة والهندسة، وهو في سنته الدراسية الأخيرة وقذف به بعد صدمه من فوق جسر خو شرق محافظة الزرقاء، وفر من مكان الحادث، في ظاهرة يخالف عليها الدين والقانون والأخلاق.
كان لمالك قصة تدل على جده واجتهاده وطلبه للعلم، فهو يبلغ من العمر 24 ربيعا غادر مجمع الجنوب الساعة الرابعة بعد العصر، في رحلته الأسبوعية المستمرة منذ أربع سنوات في جامعة مؤتة دارسا للهندسة، عائدا إلى منطقة المنشية بمحافظة المفرق ويحمل كتبه وحاسوبه المحمول ومتنقلا عبر وسائط النقل العامة.
ومثل كل عائلة أردنية تعقب والده ووالدته وخمسة من إخوته شقيقهم البكر مالك باتصالاتهم مثل كل يوم من الجنوب حتى وصل جسر خو بمحافظة الزرقاء، وهناك اتصل الاتصال الأخير مع والده، حتى وجدوه يسبح في دمائه دون إسعاف من قاتله الذي فر من مكان الحادث.
مالك دهس منتصف الليل، فوق جسر خو وسقط من فتحة وسط الجسر على الشارع أسفل الجسر الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 4 أمتار سقوطا حرا بدون أي حركة، وقاتله كان يقود مركبته على ما يبدو بسرعة جنونية، حيث كان طول ضربة "البريك" أكثر من 30 مترا كما روى شهود عيان وقتها لوكالة الأنباء الأردنية (بترا).
حادثة مالك والكثير منها يحتاج إلى إعادة النظر في قانون السير وتعديل كل ما يمكن تعديله ورفع العقوبات به بحيث تصبح رادعة.