أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مع الإعدام أم ضدّه؟


حسين الرواشدة

مع الإعدام أم ضدّه؟

مدار الساعة (الدستور الأردنية) ـ
هذا السؤال استدعاه مؤتمر دولي عُقد، أمس ،بعمان
،بتنظيم من منظمتي "معا ضد عقوبة الاعدام" و" الاصلاح الجنائي الدولية " بالتعاون مع "مركز عدالة لدراسات حقوق الانسان" ،شارك فيه أكثر من 100 من 15 دولة، المشاركون حثّوا الدول التي ما تزال تطبق الاعدام بإلغائه، ومن المتوقع ان يناقش 50 خبيرا ، على مدى يومين، هذه القضية ، في اطار ها القانوني والاجتماعي والانساني ، لتقديم ما يلزم من توصيات واقتراحات .
اعرف ان الجدل حول الاعدام في العالم ، وليس في بلدنا وعالمنا العربي والاسلامي فقط، ما زال محتدما، اعرف ايضا عقد المؤتمر ، في نسخته الرابعة، جاء في سياق حملة اوروبية ( فرنسية اولا) لتسويق فكرة الغاء الاعدام ، لكن هذا لا يمنع من طرح الموضوع وفق وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة ، كما لا يمنع من الاختلاف حول جدوى اثارته، وما يشكله من اولوية لبلدنا .
السؤال: هل انت مع الاعدام ام ضده؟ المؤيدون استندوا الى ثلاثة اعتبارات: الأول حق ذوي القتيل في القصاص من القاتل, والثاني ضرورة وجود عقوبة رادعة بحق من يعتدي على حياة الاخرين ويسلبها منهم ظلما وعدوانا, الثالث ضرورة الحفاظ على امن المجتمع وحمايته خاصة مع تصاعد عدد جرائم القتل وانتشار حالات الثأر وتوسع الاعتماد على “الجلوة” كعقوبة جماعية ، تشمل اهل المتهم وعشيرته.
أما المعارضون فقد بنوا مواقفهم ايضا على ثلاثة اعتبارات: الاول ان احكام الاعدام تتعارض مع النظريات الحديثة في العقاب ذلك إذا كان الهدف من العقوبة هو الردع فإن قوة الردع في الإعدام تزول بالتنفيذ بينما تستمر في حال الحكم بالسجن مدى الحياة , الثاني ان العقوبة بالإعدام تتطابق تماما مع الجريمة التي ارتكبها الشخص المدان بالقتل وبالتالي كيف يمكن ان نقبل معاقبته بالطريقة التي استخدمها ورفضناها؟ , الثالث أنه لا يوجد سبب لإنهاء حياة انسان مع وجود اية نسبة للخطأ في الحكم حتى لو كانت واحدا بالمليون , ويستدلون على ذلك ببعض الوقائع التي خرج منها عدد ممن نفذت بحقهم هذه العقوبة ابرياء , وعندها يستحيل انصافهم بإعادة حقهم في الحياة .
حين ندقق في الاجابات واعتباراتها على الطرفين نجد انها تتفق على ضرورة توفير الردع في العقوبة,لكنها تختلف على الوسيلة، فبينما يقر المؤيدون للإعدام كمبدأ وكوسيلة يرفض المعارضون فكرة الإعدام من الاساس , ويطرحون عقوبة السجن مدى الحياة كوسيلة للردع المستمر ، ومع صلابة الحجج التي يقدمها الطرف الاول, يفتقد الطرف الآخر لحجج مماثلة للاقناع , باستثناء شبهة البراءة وهي ممكنة الوقوع, لكن لا نعدم القدرة –قانونيا- على مواجهتها ، بحيث لا يصدر اي حكم بالإعدام إلا إذا كانت الجريمة متعلقة بـ”إزهاق الارواح “ ، وكان الحكم مبنيا على اعتراف اكيد من القاتل ، بحيث تنتفي كافة الشكوك ولو كانت واحدا بالمليون!
في الاردن ، يبلغ عدد المحكومين بالإعدام 219
نزيلا ( 197 ذكور و22 اناث) , ولم يتم تنفيذ الاعدام بالاردن منذ عام 2017(آخر مرتين 2014 و 2017)، كما تعد الاردن من الدول الأقل بتنفيذ هذا الحكم , كما انها الاقل ايضا في اصداره , ومن المفارقات ان معظم الولايات الامريكية ، بالاضافة للهند والصين ، ما تزال تتبنى الحكم بالإعدام , فيما تم الغاء الاعدام او وقفه بنحو 170 دولة بالعالم .
دينيا, لا يوجد في الاسلام مصطلح الإعدام , ولكن الشريعة أوجبت (القصاص) على القاتل العمد, وعلى بعض الجرائم الاخرى المحددة جدا (الحرابة) مثلا، ومع ذك فإنها فتحت الباب واسعا امام اسقاط هذه العقوبة سواء بتنازل اولياء المقتول او احدهم عن حقه مقابل الدية أو دونها، او بتغليظ الضوابط المتعلقة بالأهلية الجنائية للمدان (بأن يكون بالغا عاقلا مختارا غير مكره، متعمدا غير مخطئ، ظالما غير مدافع عن نفسه) والالتزام بقاعدة اثبات العقوبة على اليقين التام دون ادنى شك.
من اجمل ما قرأته في سياق تفسير اية القصاص “ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” كلام الامام الرازي عن مسألة التسوية في القتل ،إذ يعتقد أن المراد من (القصاص) هو الحفاظ على الحياة لا إعدامها، يقول” ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة، لأن القصاص إزالة للحياة ،وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أنّ شرع القصاص يُفضي إلى الحياة، كيف؟
اولا: في حقّ من يريد أن يكون قاتلاً، لأنه إذا علم أنه لو قتَل قُتِل ،ترك القتل ، فلا يقتل ،فيبقى حياً ،ثانيا: في حقّ من يُراد جعله مقتولاً، لأنّ من أراد قتله ،إذا خاف من القصاص ترك قتله، فيبقى غير مقتول ، ثالثا: في حق غيرهما ،لأن في شرع القصاص بقاء من همَّ بالقتل، أو من يهمّ به ، وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأنّ الفتنة تعظم بسبب القتل ،فتؤدّي إلى المحاربة ،التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس ،وفي تصوّر كون القصاص مشروعاً زوال كل ذلك ،وفي زواله حياة الكل.
ويستنتج الرّازي ان عقوبة القصاص ، إذاً، القصد منها إبطال الثّأر بالدّرجة الأولى ، ولو كان القصاص هو العقوبة العادلة المساوية لفعل القتل العمد ، لما عُدل عنها إلى العفو أو العوض المالي. ر حم الله الرازي ورحمنا ايضا .
مدار الساعة (الدستور الأردنية) ـ