أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الرداد يكتب: سياقات عملية جنين إسرائيلياً وفلسطينياً


عمر الرداد

الرداد يكتب: سياقات عملية جنين إسرائيلياً وفلسطينياً

مدار الساعة (حفريات) ـ
ما بين ما يصدره الإعلام الإسرائيلي حول انتصارات تحققت على المقاومة الفلسطينية في العملية الأخيرة التي استهدفت الجهاد الإسلامي في جنين ومخيمها، وما يصدره الإعلام الفلسطيني بما فيه إعلام حركتي الجهاد الإسلامي وحماس حول هزيمة الجيش الإسرائيلي وإفشاله في تحقيق أهدافه السياسية المرتبطة بحكومة اليمين المتطرف، والعسكرية بالقضاء على المقاومة، أظهرت هذه العملية وفقاً لسياقاتها وأهدافها جملة من الحقائق.
فعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، تكشف العملية التي سمّاها الجيش الإسرائيلي بـ "بيت وحديقة"، مجدداً استمرار ارتهان نتنياهو لضغوطات أحزاب اليمين المتحالفة معه، التي أصبحت فعلياً تقود الحكم وتتخذ قراراتها، ورغم التباين بين المؤسستين: العسكرية والأمنية في إسرائيل، وخلافاتهما مع الحكومة واليمين المتطرف، إلّا أنّ هذا الخلاف لم يترجم تجاه العملية، وهو ما يعكس مقاربات قارة في الأوساط الإسرائيلية بكل أطيافها تتضمن مواجهة فصائل المقاومة عسكرياً، والتوسع في الاستيطان والعقوبات الجماعية.
وكان لافتاً استخدم الجيش الإسرائيلي قوة مفرطة "كمّاً ونوعاً"، في استجابة واضحة لضغوطات اليمين المتطرف، حيث شارك في العملية أكثر من (1000) آلية ومدرعة وجرافات ووحدات من النخبة في الجيش وطائرات مسيّرة، وهو ما نتج عنه تدمير البنى التحتية في مخيم جنين، "شبكات الصرف الصحي ومحولات الكهرباء والطرق وهدم المنازل وتشريد سكانها"، بالاضافة إلى مقتل (12) عنصراً من عناصر الجهاد، واعتقال حوالي (300) من سكان المخيم، من غير المعروف مدى صلتهم بفصائل المقاومة.
أمّا فلسطينياً، فيمكن ملاحظة أنّ العملية تستهدف كوادر وقيادات الجهاد الإسلامي بالدرجة الأولى وتشكيلاتها في جنين ومخيمها، وهو استهداف أصبح واضحاً ومتكرراً منذ عام 2022، ويشمل كوادر الجهاد في الضفة وغزة وفي لبنان وسوريا، بمرجعية أنّ الجهاد أداة إيرانية، تعمل بتوجيه من الحرس الثوري للتصعيد في مناطق الضفة الغربية، ورغم البيانات التي تؤكد وحدة الفصائل، بما فيها حركة حماس، إلّا أنّ موقف حماس جاء استمراراً لموقفها من القصف الذي تعرّض له الجهاد في غزة، وهو موقف أصبح متكرراً من قبل حماس، وتتم ترجمته بالمشاركة في الحملة الإعلامية ضد إسرائيل، دون الإقدام على خطوات عسكرية في إطار مشاركة فاعلة في صد العدوان إلى جانب الجهاد، وهو ما يفسّر مقولة إنّ حماس "لن تسمح لإسرائيل بتجاوز الخطوط الحمراء"، ورغم ذلك جاءت عملية الدهس التي نفذها أحد عناصر حماس في تل أبيب في اليوم الثاني من انطلاق العملية، لتؤكد قدراتها على حسم المواقف، وليس الجهاد، ولا أيّ فصيل فلسطيني آخر.
وبالتزامن، كشفت العملية مجدداً مواقف متكررة لحركة فتح وقيادة السلطة، مضمونها رفض الاعتداءات الإسرائيلية على مواطني الضفة الغربية، والاجتياحات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية وسياسات العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، غير أنّ ما يلفت النظر في هذه العملية مواقف جديدة عبّر عنها أهالي جنين ومخيمها برفض مشاركة السلطة الفلسطينية في طقوس ما بعد العملية، بما فيها المشاركة في تشييع جنازات الشهداء، ويرجح أنّ حركتي الجهاد وحماس تقفان وراء التحريض ضد السلطة الفلسطينية، إذ يشكل هذا التحريض أحد أبرز المرجعيات في خطاب حماس التي تركز على تعرية السلطة واتفاق أوسلو وما تسميه ارتهانها لاتفاقات أوسلو واستمرارها بالتنسيق الأمني مع إسرائيل.
العملية، ورغم محدوديتها زمانياً إذ استمرت يومين، لكنّها خلّفت دماراً واسعاً في جنين ومخيمها، هذا الدمار اعتاده الفلسطينيون في غزة وغيرها من مناطق الضفة الغربية، وهو ما يفسر الشكوك التي بدأت تطرح في أوساط إسرائيلية حول جدوى العملية، وما يمكن أن تحققه في ضرب المقاومة، في ظل غياب أيّ آفاق لمشروع سياسي، وتشير تصريحات نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي إلى استعدادات لشنّ عمليات اجتياح جديدة في مناطق أخرى، يتوقع أن تكون في نابلس لاستكمال المشروع الإسرائيلي الموصوف بالقضاء على الإرهاب في مناطق شمال الضفة الغربية، وتوسيع الاستيطان، بعد قوننة بناء مستوطنات جديدة وتسمين القائمة.
وإذا كانت العملية قد كشفت مأزقاً إسرائيلياً، حيث يذهب نتنياهو كلما ازدادت الضغوط عليه لشن عمليات في غزة ومناطق الضفة الغربية، بحجة مقاومة الجهاد الإسلامي التي تعمل بتوجيهات إيرانية، ورهاناته على أنّ "قداسة الأمن" بالنسبة إلى الإسرائيليين، ستؤمن له شعبية تخفف حدة المعارضة له، بالإضافة إلى موقف دولي منحاز إلى جانب الحكومات الإسرائيلية، "يتفهم" دواعي الحكومات الإسرائيلية لشن هذه العمليات باعتبارها إرهاباً مدعوماً من إيران، فإنّ العملية كشفت في الوقت نفسه مأزقاً فلسطينياً، عنوانه هذا الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، للدرجة التي أصبح فيها تعرية السلطة الفلسطينية والتشكيك بها وصولاً إلى إسقاطها هدفاً لدى حماس والجهاد، لا يقلّ عن هدف تحرير فلسطين، وهو موقف أصبح بحاجة لمراجعة تتطلب استثناء الضفة وغزة من الارتهان للمحاور والاصطفافات العربية والإسلامية، لا سيّما بعد النتائج "المتواضعة" للشعار الذي طرحته إيران مؤخراً تحت عنوان "وحدة ساحات المقاومة ضد إسرائيل"، مع إدراكنا أنّ هذه المقاربة تبدو مثالية في ظل تحديات وعقبات كثيرة، لكن المؤكد أنّ وحدة فلسطينية جوهرها مقاومة الاحتلال ليست مستحيلة على شعب يقاوم الاحتلال.
مدار الساعة (حفريات) ـ