انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

عندما يبكي الرجال 'أسيداً' حارقاً..


محمود الدباس

عندما يبكي الرجال 'أسيداً' حارقاً..

مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/08 الساعة 10:50
استميحكم عذرا في كتابة موضع ليس من عاداتي الخوض فيه.. ولكنني آثرت ان يكون موضوعأً اجتماعياً قد يتعرض او تعرض له الكثير من الرجال.. فمنا من يبكي لفقد اب او ام او ابن او صديق.. ولكننا نجد من يواسينا في فقدنا.. فيخففون عنا مصابنا.. ولكن مصيبة الرجال الذين يفقدون ولا يستطيعون البوح لاحد عن فقدهم.. ولا يمتلكون الجرأة للحديث عن فقدهم لاعتبارات نظنها من منقصات درجات الرجولة.. والعيب في البوح والحديث عنها..
لقد حبانا الله نحن الرجال بان نغلب العقل في كثير من الاحيان على العاطفة.. فتجدنا نكابر ونكتم مشاعرنا خوفا من نظرات البعض.. فتكون مشاعرنا حبيسة النفسِ والقلب.. فتتحول الى بركان داخلي يضربنا في صحتنا شيئا فشيء.. حتى يجد الواحد منا انه مصاب بامراض لم يكن يتخيلها بانها ستصبح ملازمة له..
صديقي الذي ضغطت عليه بكل السبل ليبوح لي عن سبب احمرار عينيه.. واضطراب حديثه.. وابتعاده عن الناس بشكل شبه تدريجي.. فتحدث لي وكأنه يروي امرا عيبا او يخدش رجولته ومكانته وعزة نفسه..
يقول صديقي الذي عرفته منذ ان فتحت عينيّ على هذه الحياة.. واصبح الصديق الصدوق لي.. والذي فتح قلبه لي على مصراعيه.. بعد ان انفجر من البكاء.. انه كأي رجل ارتبط بشريكة حياته.. وكالكثيرين لم يكن ذلك الوفاق بينهما.. الا ان معترك الحياة والعادات والتقاليد جعلت حياتهما تستمر لفترة من الزمن.. الى ان فقدها قبل حوالي ثماني سنوات.. بعد ان فقد والده ومن ثم والدته اللذين كانا ملجأه في الشكوى والفضفضة.. والبكاء في احضانهما..
فنذر نفسه لابنائه.. ضاربا عرض الحائط كل دعوات المقربين له بان يبحث عن شريكة حياة تكون له الشريك فيما تبقى من عمره.. فكان رده لي حينها وللاخرين بانه جرب حياة الزوجية وكانت شبه بائسة.. فلا يتوقع ان يجد من تكون متوافقة معه بشكل كبير دون منغصات هو وهي في غنى عنها..
واردف قائلا مكثت مدة وانا في مجتمع مليء بالفتيات من الاقارب وزميلات عمل.. دون ان تلفت اي منهن نظري.. الى ان جمعني القدر صدفة بفتاة كانت بعيدة المنال.. لطبيعة عملنا او القرب المكاني.. وحين اقتربت منها خطوة بداعي امر رتبه القدر.. وجدت بالصدفة ان كثيرا من طباعها وشخصيتها قريبة الى حد التطابق معي.. حتى انني وقبل ان اصارحها باي شيء.. عملت وبطريقة غير مباشرة اختبارا لها على بعض الامور الغريبة التي احبها.. فوجدت انها تحب ذات الامور.. ومن ضمنها نوع القهوة التي احب.. واللون الذي افضل.. وطريقة عمل امور حياتية عادية.. والتعامل مع الاخرين.. حتى ظننت لوهلة انها تعرفني وعن قرب منذ زمن بعيد.. وانها رتبت الامر لتكون معي..
فما كان مني الا مصارحتها بطلب الزواج منها.. ولكنها لظروف اجتماعية مع والديها طلبت التريث في الموضوع.. ومكثتُ معها بشكل قريب لنعتاد على بعضنا.. وتذليل اي فروقات او عادات مختلفة بعض الشيء بيننا.. فتعودتُ وادمنت سماع صوتها.. وزعلها ورضاها.. وحزنها وفرحها.. واعلنت لي صراحة لن تتركني.. وانها ستعودني على عادات راقية وجميلة لم اكن اظن في يوم انها ستكون ضمن قاموسي حتى ادمنها وابقى معها.. فاصبحت الروح التي تعطيني الامل.. والنفَس الذي يعطيني الحياة.. ولم ادمن يوما شيئا الا هي..
وكأي اثنين يستكشفان طباع بعضهما.. لا بد من وجود بعض الاختلافات في العادات او التصرفات او المفاهيم.. فكنت صريحا جدا معها فيما احب واكره.. وكنت اراهن على عقلها الوازن الذي يكبر سنها كثيرا.. بانها حين تجلس مع نفسها.. او تستشير احدا فيما اقوله لها.. ستعلم يقينا بان بعض مفاهيمها للحياة يشوبها بعض الخلل.. والذي لا يؤثر على حياتها وموروثها وعفتها وطهرها.. نتيجة طبيعة عملها او البيئة التي نشأت فيها.. والتي تختلف بعض الشيء عني.. وإن عدلته او صححته لن يؤثر على مسيرتها العملية.. وحياتها الاجتماعية.. إلا ايجابا وتعففا وعزة وكبرياء.. مع انها ابدت الكثير من الملاحظات على بعض تصرفاتي.. وتقنعني بوجهة نظرها... وكنت آخذها بمحمل الجد.. واعدلها والتزم بها..
الى ان اتى ذلك اليوم الذي شارفت فيه لان تقدمني لوالديها.. واثناء نقاش امر هو ابسط من البساطة.. ولتوجيه واضح وضوح الشمس الخلل البسيط فيه.. ما كان منها الا وانفجرت كالقنبلة النووية.. واغلقت هاتفها.. واختفت عني بشكل تام.. وحين حاولت التواصل معها بطرق عدة.. كان الصد بشكل عنيف هو الطريقة المتبعة.. وشعرت بانها كمن اغلقت الباب.. بعد ان كنت الوحيد الذي انار حياتها كما انارت حياتي.. والرجل الوازن المنقطع النظير في نظرها ومقياسها.. والسند الحقيقي فيمن حولها.. والروح التي تعيش بها.. والشيء الحقيقي غير المصطنع في حياتها..
واردف قائلا.. بعد ان امتلأت مشاعراً فياضة جميلة لم اعتد عليها من قبل.. لا بل ادمنتها.. ولم يعد لي اب وام اشكي لهم حالي.. ولم استطع ان ابوح بما يجول في وجداني.. فكانت دموعي هي المواسي الوحيد لي.. فتركتها تنهمر كلما اختليت بنفسي.. الى ان شعرت بان دموعي اصبحت "اسيداً" يحرق عيني وجفوني.. بدل ان تخفف عني.. واصبح نظري يضعف شيئا فشيئا..
حينها قلت له وانا امسح دمعته العزيزة.. اقسم بانني شعرت حرارتها بيدي.. وانني ايقنت بان دموع الرجال حارقة.. وان مرارة الفقد دون وجود من يواسي الرجال هي سرطان يقتل الواحد بشكل عنيف وليس رحيم..
ومن هنا اقول.. ليتنا نكون صريحين منذ البدايات.. فمصيبتنا اننا بانانيتنا وحبنا لذاتنا.. واستمتاعنا بعواطف الاخرين.. نتسبب لهم بجروح وحروق لا تشفى.. وقد نحول الاخرين من اناس محبين لاناس ناقمين..
فمن يقوم بتعويد الاخرين على شيء لم يعتادوا عليه.. او لم يكن في حسبانهم.. حتى في الحب.. هو كمن يروج للمخدرات.. ويقوم باقناع الاخرين بها وبلذتها.. وانها لمصلحتهم.. وانه يريد الخير لهم.. وان يشعروا بالفرح والسعادة والعيشة الجميلة الهنية.. وحين يدمن الاخر عليها.. ويتركه فجأة دون علاج او استمرار في العطاء.. هو قاتل مع سبق الاصرار..
واتساءل هنا.. كيف يهنأ بحياته.. وكيف يرضى عن نفسه؟!.. وكيف يضع رأسه على وسادته مغمضا عينيه.. ويحلم احلاما سعيدة.. ويمارس حياته بكل طمأنينة وسكينة وهدوء.. وهو يعلم تمام العلم ما تسبب به للاخر بكل جرأة وقصد واصرار؟!..
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/08 الساعة 10:50