استمعنا خلال الأشهر الماضية للكثير من المتفائلات والمتفائلين بدور متقدم للمرأة في الحياتين الحزبية والنيابية بعد تغيير قانوني الأحزاب والانتخاب، وبالتزامن تشرفتُ وزميلاتي وزملائي في لجنة المرأة في مجلس الأعيان خلال الأسابيع الماضية باستضافة عدد من المختصين في الملف الحزبي، لنرى تقييماتهم لوجود المرأة في الحياة الحزبية بناء على مخرجات قانون الأحزاب.
كثّفنا في جلساتنا وفي حوارنا مع الضيوف محاولات فهم وتقدير وضع المرأة الحالي في الحياة الحزبية وما نتطلع له لاحقا.
بالنسبة إليّ قانون الأحزاب الأخير- والذي كنت جزءاً من صياغة مقترحه ومناقشة تفاصيله في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية- فتح باباً جديداً أمام المرأة لتدخل البرلمان عن طريق الأحزاب من جهة ولتبرز في المناصب القيادية في الأحزاب من جهة أخرى، إلا أنه عمليا لا يزال خطوة على طريقٍ طويل عنوانه تمكين المرأة تماماً ووصولها للمساواة مع نظيرها الرجل.
في جانبٍ من جلستنا المذكورة، بدا هنالك تركيز من الضيوف الكرام والزميلات والزملاء في المجلس على الحاجة لتعليم وتدريب وتثقيف المرأة في المجال الحزبي، وبكل أمانةٍ أرّقني الجانب المذكور، لما له من دلالات على قناعتنا أن النساء البارزات في العمل الحزبي والسياسي، ما هنّ إلا استثناء ولسن الأساس. وهذا تحديدا ما أراه اليوم مجحفاً بحق المرأة الأردنية، وأرفض أن أُسلّم به، وأشعر أنه ينطوي على نظرةٍ نمطية تقلل من قدرات الأردنيات.
وحتى لا يُفسّر كلامي رفضا لخطوات التعليم أو التدريب والتأهيل السياسي، فأنا أقول بكل صراحة أني أدعم هذا المسار وأراه منطقياً ولكن ليس فقط للنساء والفتيات، وإنما للرجال والشباب أيضا، فتجاربنا الحزبية لا تزال غضّة بمعظمها ومجتمعنا ولأسباب سياسية واجتماعية وقانونية خلال العقود والسنوات الماضية لم يتمكن من بناء هياكل حزبية قوية وصلبة متعددة الاتجاهات، تضمن تربية وانخراطا حزبيا على مستويات شعبية واسعة. ما يجعل التدريب والتأهيل والتعليم حاجة أساسية للأردنيين والأردنيات جميعا بكل فئاتهم العمرية والتعليمية واختلاف ثقافاتهم.
أما النساء وعلى وجه التحديد، وبعد تبادل الآراء مع عدد من السيدات الأردنيات الناجحات والناشطات في الاقتصاد والسياسة، فلا زلت مقتنعةً أن مقياس مشاركتهن وعدمها ليس مبنياً على الجهل أو قلة المعرفة والحاجة للتدريب والتأهيل، قدرما هو موزونٌ بميزان سنوات من الموروث المجتمعي الذي قيّد مشاركتهن السياسية سابقاً قانونيا وسياسيا واجتماعيا.
فالعديد من النساء شهدن تداعياتٍ قاسية لانخراطهن في المجال السياسي والحزبي سابقا كفقدان أمنهن الاقتصادي أو منصبهنّ، أو تعرضهن للتنمر الاجتماعي، الأمر الذي يجعلهن وغيرهن ينظرن اليوم إلى الانخراط الحزبي والسياسي كمخاطرة قد يكنّ- برأي بعضهن- بغنى عنها.
هذا السياق إلى جانب المعيقات الاجتماعية تمنع اليوم العديد من النساء الكفوءات من خوض المجال الحزبي أو السياسي، أو التعامل معه بحذر، ليس لافتقارهن للمعرفة، وإنما بسبب تجارب كثيرة علمتهن ألا يثقن بالسياسة ودهاليزها.
هنا وإن كنت لا أرى حرجا في تدريبنا جميعا رجالا ونساءً سياسيا وحزبيا وقانونيا، إلا أني أرى اليوم الحاجة ملحة وبشدة لإعادة بناء الثقة بين المرأة ومحيطها في الأسرة أولا، والقرية والحي والمدينة، وأماكن العمل والبيئات التعليمية. وذلك بأدواتٍ قانونية ومجتمعية وتعليمية تدعم ما وصلنا إليه في قانوني الأحزاب والانتخاب وتعززه، فتسهم في تهيئة الأردنيات والأردنيين بالتدريج وقبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة العام المقبل لبدء مرحلة جديدة عنوانها التشارك والمشاركة الحزبية والسياسية الفاعلة للمرأة على أسسٍ صلبة وصحّية.