أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

أمام المخيم


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

أمام المخيم

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
في جنين الان, تطوف طائرات (الدرون) فوق المنازل, حتما هي ترسل الصور لمركز العمليات وإذا التقطت مسلحا فلسطينيا متخفيا بين الزقاق, سيرسلون له سرية كاملة من القناصة, سيقاتل لن يستسلم أبدا.. وستصدر وزارة الصحة الفلسطينية بعد ذلك بيانا تؤكد فيه ارتفاع عدد الشهداء, وستصادر إسرائيل جثمانه النقي الطاهر.. المشكلة أن العالم لا يسجل لحظاته الأخيرة, والعالم لا يعرض صورا لكيفية قيامه برد الرصاص.. الإعلام لا يعرض أيضا عملية إصابته واستمرارة بالرمي حتى نفاذ الذخيرة.
في جنين الان, كل الكاميرات تعرض صورا لقوات الإحتلال, لكنها لن تعرض صورا لخلية اختبأت في زقاق وتحت شجرة تين, وهي تتأهب للهجوم على مجموعة من الكوماندوز الإسرائيلي رصدتهم على زاوية شارع قريب, وأفراد الخلية لا يتجاوز أكبرهم عمرا ال(25).. وقد ودعوا بعضهم, ويدركون تمام الإدراك أنه الوداع الأخير, وأحدهم وزع بعضا من الذخيرة على رفاقه قال لهم: (سيكون أول عنصر يهاجم الجيش.. قال لهم إنه سيكون أول من يتلقى الرصاص، ولن يسعفه الوقت لاستعمال بقية الذخيرة).. ربما أوصاهم, بأن يخبروا أمه إن بقي فيهم على قيد الحياة أحد, بأن ?خبروها أن لا تنساه من دعوات صلاة الفجر, وبأن تعطي كامل محصول الزيتون هذا العام للمحتاجين..
في جنين الان تخفي سيدة طاعنة في السن مجاهدا أصيب, في منطقة الكبد.. الكاميرات حتما لن تعرض مشهد قراءة القران على رأسه, لن تعرض مشهد العجوز وهي تشد غطاء (لحافها) على بطنه, الكاميرات لن تعرض دمه القاني وصوته.. وحرارته التي ارتفعت، ومع ذلك ما زال متحصنا في زاوية من المنزل وحالما يستعيد ولو بعضا من قوته سيخرج للشارع, هو لايريد أن يستشهد هكذا.. هو يريد أن يستشهد في قلب المواجهة, مازالت ذخيرته تكفي.. وما زالت فلسطين شامخة أمامه.
في جنين الان... الحجر يقاتل والشجر, والعصافير ربما تعترض طائرات (الدرون) ولتتكسر أجنحتها هذا لن يمنع العصفور من إسقاطها, والزيت المسكوب في صحون صغيرة بجانب الزعتر الفلسطيني.. لو قدر له أن ينهض من مستقره ويشتعل لما توانى لحظة, وجديلة البنت التي وصلت للصف السابع للتو.. لو قدر لها أن تلتف على أعناقهم.. لما تأخرت, والدبابيس التي كانت (ام العبد) تخيط بها الثوب الفلسطيني هي الأخرى تقاتل.. وما تبقى من (ربطة الثوم) المعلقة عن طرف الباب, لو قدر لها أن تنطلق لعيونهم القذرة لما تأخرت...كل شيء يقاتل هناك, حتى التراب ا?ذي تحمله الريح كزوبعة صغيرة.. هو الاخر يؤسس بعض الخلايا من العشب والورق ويجند الريح كي تهجم عليهم.
ما يستفزني في كل ذلك المشهد هو أن إسرائيل استطاعت أن تحتل من العالم العربي مئات الألوف من الكيلو مترات المربعة, في حروب خاطفة.. استطاعت احتلال مدن.. ومناطق أكبر من دول, بالمقابل ومنذ أكثر من عشرين عاما, ما زالت عاجزة عن تطويع مخيم مساحته (430) دونما...
ياترى أمام مخيم جنين.. كم من الخجل سيصيب المدن العربية؟.
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ