قالوا في الأخبار البارحة, أن حجم مخيم جنين لا يزيد عن نصف كيلو متر, هذا يعني بصراحة أن أصغر جامعة خاصة لدينا, هي أكبر من مخيم جنين في الحجم... بالدونمات حجمه هو (437) دونما, تخيلوا هذا الرقم؟... علما بأن بعض الحدائق العامة في الحجم أكبر منه..
زمان قال لي أحدهم أنه يمتلك (1012) دونما في منطقة صحراوية, وأنه يطمع ببيعها وحين سألته عن الدونم الواحد اكتشفت أن ثمنه لايتجاوز (200) دينار, ما أريد أن أقوله أن بعض القواشين لبعض الأشخاص هي أكبر من حجم مخيم جنين.
سؤالي المقلق هل تحتاج بقعة أرض مساحتها (437) دونما لألف جندي وقد سلح جميعهم ببنادق الليزر والعربات المصفحة, وتم إسنداهم بطائرات (درون) وطائرات الأباتشي.. وربما أيضا وظفوا قمرا صناعيا للمراقبة, والأخطر أن إسرائيل تقول أن العملية تحظى بمشاركة قطعات من القوات الخاصة وقوات المستعربين وسلاح المدفعية.. سلاح المدفعية؟.
أمريكا احتاجت لأيام معدودوة حتى تجتاح شواطئ فيتنام, وهتلر حين حارب روسيا احتاج لأشهر قليلة فقط, حتى يصل أطراف موسكو.. ومعركة فرنسا كلها لم تستغرق من القوات النازية أكثر من شهر... اجتياح أوروبا كاملة أيضا احتاج لفترة زمنية قصيرة.. بالمقابل أعتى قوة في العالم, أقوى سلاح جو في المنطقة, القوة النووية الأولى على مستوى أوروبا والشرق الأوسط والتي تقدر مخزوناتها من القنابل النووية بأكثر من (200) قنبلة... والكيان الأكثر إنفاقا على التسليح, لايستطيع للان أن يخرج من مخيم جنين بجنوده دون (بهدلة).
ميزة الفلسطيني عن دون كل شعوب الأرض, أنك إذا أعطيته ولو مترا واحدا من تراب فلسطين حتما سيقاتل عليه حتى النهاية, وسيطلب أن يدفن في هذا المتر... ميزته أيضا أنه حين يقاتل في المخيم يستبسل, لأن المخيم هو أكثر مكان أنتج دما, هو أكثر من أنتج الشعر والأدب.. لأن المخيم أنتج الشهداء, ولأنه المكان الذي برزت فيه الهوية الفلسطينية... والأهم أنه المكان الذي عبر عن نكبة الشعب الفلسطيني وألمه ومعاناته... لهذا صدقوني أن أمتار المخيم في فلسطين لايقاس ثمنها بالدولار كما الأحياء الراقية في العواصم العربية بل يقاس بالدم..
بالمقابل ميزة الجيش الإسرائيلي, أنه استسهل الحروب مع العالم العربي وكانت كلها خاطفة لكنه هزم على أطراف المخيمات, أتدرون أين يكمن السر؟.. السر يكمن في أن المخيمات الفلسطينية, كسرت نظريات التعليم والتربية الحديثة, من قال إن الجامعات تصنع متعلمين وقادة.. أخطأ حتما, المخيمات تصنع أوطانا وشهداء.. لاحظوا معي كل التكنولوجيا التي أنتجتها جامعات هارفارد.. كل التقنيات التي أنتجها (السيلكون فالي).. وشركة بوينغ.. كلها والتي تسلحت بها القوات الإسرائيلية, هزمت أمام نظريات التعليم في المخيم.. هنالك ليس مطلوبا من المناضل ?ن يكتب على الورقة ويقرأ ألف كتاب, مطلوب منه أن يحب فلسطين فقط ويدفع دمه مهرا لها... لكن من تخرجوا من هارفارد لن يدفعوا دمهم مهرا لا لبريطانيا ولا لأمريكا لأن شركات كبرى تنتظرهم من أجل التوظيف.
في المستقبل مخيم جنين لن يظل كما هو, ربما سيتحول إلى جامعة تعلم المروءة والكرامة والشهادة والسلاح.. وتعلمك ماذا تعني فلسطين, مخيم جنين الأصغر في الحجم من كل الجامعات العربية, ربما مستقبلا سيكون أكبر جامعة في العالم.. على الأقل أينما أدرت قرص التلفاز تسمع اسمه, وأينما ذهبت في عالم السوشيال ميديا تجد قصة يرويها أحد الفتية هناك عن تفخيخ الشوارع وتفجير الناقلات.
تصغر الكثير من الدول حين تصغر أدوارها, لكن مخيم جنين يكبر كل يوم.. ليصبح (اسطورة).