يستطيع أي مواطن شراء أي سلعة من الخارج، وأن تأتيه بطرود بريدية بقيمة تصل إلى 200 دينار في كل شهر، مقابل دفع مبالغ رمزية وزهيدة للخزينة على شكل جمارك ورسوم لا تتجاوز في حدها الأعلى 10 دنانير لكل طرد يحتوي بضاعة أجنبية.
الطرود البريدية نمت في الأردن خلال الأعوام الثلاثة الماضية بدرجة كبيرة جدًا، وتجاوزت أعدادها العام الماضي بأكثر من 1.1 مليون طرد، تحتوي على معظم أصناف السلع وتحديدًا الملابس والأحذية وإكسسوارات الأجهزة الكهربائية ومستلزمات العطور والمكياج، وهذا يعني ببساطة أن قيمة هذه الطرود في حدها الأدنى ستناهز الـ220 مليون دينار، وبنسبة نمو فاقت الـ%25 عما كانت عليه في العام 2021.
إحدى إيجابيات هذه الطرود هي أنها مكنت المواطن من الحصول على سلع من ماركات أجنبية بأسعار أقل مما هي عليها في الأسواق المحلية، وهذا السبب الرئيسي الذي يفسر هذا النمو المتسارع لحجم الطرود البريدية في المملكة.
لكن بالمقابل، هناك من يستشعر الخطر من هذه الزيادة الكبيرة في الإقبال على الطرود البريدية، ويصف المشهد بأنه خطير، باعتبار أن هذه الظاهرة بهذا الشكل العشوائي تلحق الضرر بالمستهلك والخزينة والقطاع التجاري على حد سواء.
بالنسبة للمستهلك، ففي كثير من الأحيان يتسلم بضاعة مقلدة كالملابس والأحذية والعطور، أو أنها مخالفة للمواصفات والمقاييس الأردنية وغير مطابقة لهما كإكسسوارات الأجهزة الكهربائية، وفي بعض الأحيان تشكل خطورة على صحة المواطن مثل بعض المواد الغذائية، ويقبل المستهلك شراء الطرد على مضض من هذه البضاعة التي وصلت بالطرود، ولا يمكن إرجاعها، وبالتالي يكون قد خسر أمواله في بضاعة مقلدة أو مزيفة أو خطرة على صحته.
بالنسبة للخزينة، فإن غالبية هذه الطرود البريدية لا تدفع أي رسوم جمركية على السلع المشتراة بواسطة الطرود، رغم أن هذه السلع التي تُباع نظيرتها في المحال التجارية تدفع رسوماً جمركية وضريبية مقابل استيرادها وبيعها في المحلات والأسواق المحلية، فهناك ضياع كبير على الخزينة نتيجة عدم وجود رسوم على المستوردات بواسطة البريد، يُقدر في بعض القطاعات، مثل الألبسة والأحذية، على سبيل المثال لا الحصر، بأكثر من 30 مليون دينار.
أما القطاع التجاري، فقد بدأ منذ سنين قليلة يتلمس الآثار الخطيرة لظاهرة نمو الطرود البريدية وتأثيرها المباشر على تراجع مبيعات العديد من القطاعات التجارية التي تشهد منافسة غير متوقعة مع الطرود البريدية التي بدأ بعض الأشخاص يمتهنونها كتجارة، ويستوردون بأسماء متعددة كميات كبيرة من الطرود المعفاة من الرسوم والجمارك والضرائب.
العشوائية في واقع الطرود البريدية الحالي تفرض على الجهات المعنية إعادة النظر في تنظيم هذا القطاع، وليس إلغاءه كلياً، فالأمر يحتاج إلى تبويب يعيد التوازن للعملية التجارية، ويحفظ حقوق المستهلك والخزينة، ويحمي القطاعات التجارية من المنافسة غير الشريفة، لأن ما يحدث في الطرود البريدية هو أشبه بعمليات التهرب الجمركي والضريبي.
المنطق يقتضي أن تكون الطرود البريدية مُنظمة للمواطن بعدد محدد في العام الواحد، وليس كل شهر كما هو الآن، وأن يكون ما تحتويه مُطابقاً للمواصفات الأردنية، ولا يخالفها أو يزوّرها أو يقلدها، والأهم من ذلك أن تكون هناك رسوم جمركية على أي سلعة قادمة بواسطة هذه الطرود ولها نظير محلي، ولا يوجد ما يمنع أن تكون رسومها أقل من المعمول بها طالما كانت للاستخدام الشخصي المحدود وليس للتجارة.
المواطن يقع فريسة سهلة لتغول التجارة الالكترونية الخارج بعضها عن حدود الرقابة، وهذا يتطلب تحركا لحمايته من الوقوع المتنور في مصيدة هذه الطرود التي لا يستطيع في النهاية إرجاع البضاعة أو استبدالها بالنوعية الأصلية التي يرغب بها والتي على أساسها اشترى تلك البضاعة.
حماية المستهلك والتاجر والخزينة معاً هي أولوية للسياسة الاقتصادية الرسمية المعنية بتنظيم النشاطات الاقتصادية وجعل المملكة مركزاً تجارياً، وليس مكباً للسلع المقلدة والمزورة والخطرة على صحة الإنسان.