كيف تبدو صورة الإسلام السياسي في بلدنا، وما مستقبله؟ ثلاثة أسباب استدعت طرح هذا السؤال، الأول أن ثمة أربعة أحزاب وجماعتين تنتمي لهذا التيار، وقد شهدت، خلال السنوات العشر الماضية، تحولات عميقة بحاجة إلى إعادة قراءة، الثاني أننا بعد نحو عام سنشهد انتخابات برلمانية، وسيكون نصيب الأحزاب منها نحو ثلث المقاعد، ومن المتوقع أن يسعى هذا التيار للحصول على حصة تعكس قاعدته الشعبية، إذا تمكن من ذلك.
أما السبب الثالث فهو أن موجة الإسلام السياسي في العالم العربي، ونسبيا في بلدنا، انحسرت نتيجة أسباب متعددة، داخلية وخارجية، كما أنه علاقتها بالنظام السياسي انتهت تقريبا، وبالتالي فإن مصيرها ما زال معلقا بأسئلة كثيرة، لم تحسم إجاباتها حتى الآن.
لكي نفهم الصورة بشكل أوضح، كان لدينا جماعة وحزب يمثلان تيار الإسلام السياسي، تعرضا لانقسامات متتالية، وتولد عنهما ثلاث نسخ حزبية وجماعة جديدة، اثنان من الأحزاب اندمجا في حزب واحد، وثالث تحرر من المرجعية الدينية، اما الجماعة ( الجمعية :أدق ) فقد غادرت منصة العمل السياسي تماما.
حين ندقق اكثر، نكتشف أن الحزبين المندمجين انتجا حزبا لا علاقة له بالإسلام السياسي، ولا يمثل هويته، وبالتالي انتهى وجودهما وصلاحيتهما، ضمن هذا التيار، نكتشف، أيضا، أن الحزب الثالث لم يحظ بالترخيص الرسمي حتى الآن، وربما لن يدخل ماراثون سباق الأحزاب نحو البرلمان.
لا أعرف، بالضبط، فيما إذا كان هذا الوضع القائم سيصبّ في مصلحة جماعة الإخوان وحزبها أم لا، لا أعرف، أيضا، فيما إذا كانت «الهندسة» التي جرت صدفة أم بفعل فاعل، لا أعرف، ثالثا، فيما إذا كان المطلوب إضعاف ظاهرة الإسلام السياسي، أم حصرها في جهة واحدة، دون غيرها، لكي يسهل التعامل معها، لا أعرف، رابعا، إذا كانت حالة الفرز التي تم تفكيك الجماعة على أساسها بحجة ثنائية الإسلامي والوطني قد انتهت، او أنها لم تعد لازمة.
لا أعرف، أخيرا، فيما إذا كانت خريطة الأحزاب الجديدة قد تم تصنيفها وفقا لثلاثة تيارات سياسية (يمين، وسط، يسار ) وبالتالي فإنه لا مكان لأحزاب ملتبسة الهوية كتلك التي خرجت من عباءة الإخوان، الأمر الذي اوجب، ربما، تحريرها من الإسلام السياسي، وإلحاقها بهويات جديدة، تتناسب مع الخارطة الحزبية القادمة.
ما اعرفه أن الإسلام السياسي تعرض، وما يزال، لعملية «تحجيم «متدرجة، وأن حصته في البرلمان من المقاعد لن تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأن تيارات حزبية جديدة تمكنت من اختطاف المشهد، ومن المتوقع أن تنتزع معظم مقاعد البرلمان، وهي كما نرى محسوبة على اليمين السياسي المحافظ، فيما ستشهد أحزاب اليسار اندماجات أو تسويات فيما بينها، ستمكنها لاحقا من حجز مقاعد لها بالبرلمان، ما يعني أن نسخ الأحزاب التي خرجت من رحم «الإسلام السياسي» أو حاولت تصحيح مساره، ستفقد -بعد أن انسحب معظم مؤسسيها من صفوفها الاولى -قدرتها على التنافس، وستتحول إلى أحزاب هامشية، لا هوية لها، ولا مستقبل أيضا.
الآن، بوسعنا أن نرى «الإسلام السياسي» في إطاره الحزبي وقد عاد إلى» المهد «الذي خرج منه، أقصد جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الممثل الوحيد له، فيما خرجت الأحزاب التي انقسمت عن الجماعة سابقا من هذا التيار، ومن المتوقع أن تختفي، او أن تؤسس لها هوية أخرى، تتناسب مع ما جرى عليها من هيكلة، او أن تلد منها أحزاب جديدة، قادرة على استعادة هويتها الاصلية التي تشكلت على أساسها، بعد انشقاقها عن الجماعة الأم، إذا كانت ترى ذلك يصب بخدمة مشروعها السياسي.
بقي لدي ملاحظة أخيرة، وهي أن ما جرى داخل الإسلام السياسي، منذ اكثر من 10 سنوات، يعكس جزءا من صورة الهشاشة الحزبية، وضعف العمل السياسي، والالتباسات القائمة على صراع المغانم والمغارم، كما أنه يعكس افتقاد الجسد الشعبي للرؤوس القادرة على قيادته، وحماية مشروعه، لا أريد الدخول بالتفاصيل، لكن أقول :إن الهزيمة ترتبط دائما بالغنيمة، حدث ذلك في تاريخنا البعيد منذ معركة أحد، وتكرر في تاريخنا القريب، حيث غزوات الأحزاب مع بعضها، وداخلها، وحيث ولاداتها القيصرية، ونهاياتها المعروفة سلفا، .. وفهمكم كفاية.